للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسماء الله الحسنى وأثرها على من استحضرها]

فهيا معاً أحبتي ننظر في معاني هذه الأسماء وآثارها.

من آثار هذه المعاني والصفات: اعلم بارك الله فيك واعلمي رعاك الله! أن أسماء الله الحسنى هي التي أثبتها الله تعالى لنفسه وأثبتها له عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآمن بها جميع المؤمنين قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠]، وقال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء:١١٠]، وقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:٨].

وجاء في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)، ومعنى أحصاها: حفظها وعدها واستوفاها وعمل بمقتضاها.

فكما أن القرآن لا ينفع حفظ ألفاظه دون العمل به كذلك أسماء الله وصفاته، ولا بد أن نعلم أن أسماء الله ليست بمنحصرة في التسعة والتسعين المذكورة في حديث أبي هريرة ولا فيما استخرجه العلماء من القرآن، ولا فيما علمته الرسل والملائكة وجميع المخلوقين، لحديث ابن مسعود عند أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب أحداً همّ ولا حزن فقال: اللهم أنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، من قالها أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً، فقيل: يا رسول الله! أفلا نتعلمها؟ فقال: بلى.

ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها).

فتعلموها وعلموها رعاكم الله.

واعلم واعلمي أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترناً بمقابله، فإذا أطلق وحده أوهم نقصاً تعالى الله عن ذلك، فمنها المعطي المانع والضار النافع والقابض الباسط والمعز المذل والخافض الرافع، فلا تطلق على انفرادها بل لا بد من ازدواجها بمقابلها إذ لم تذكر في القرآن والسنة إلا كذلك.

ومن ذلك: (المنتقم) لم يأت في القرآن إلا مضافاً إلى: (ذي) كقوله: (عزيز ذو انتقام) أو مقيداً بالمجرمين كقوله: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:٢٢].

ومما يجب علمه أيضاً أنه ورد في القرآن أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال في ذات الله عز وجل؛ لكن لا يجوز أن يشتق له تعالى اسم منها ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات، كقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢]، وقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:٥٤]، وقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:٦٧]، وقوله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:١٤ - ١٥].

فلا يطلق على الله تعالى أنه مخادع ولا ماكر ولا ناس ولا مستهزئ ونحو ذلك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ولا يقال: الله يستهزئ ويخادع ويمكر وينسى على سبيل الإطلاق، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ ولكن هذا فعله بالمخادعين ومكره بالماكرين واستهزاؤه بالمستهزئين ونسيانه للذين نسوه.

وهي في هذا السياق مدح وكمال.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وفي كتاب الله من ذكر أسمائه وصفاته أكثر من ذكر آيات الجنة والنار، وإن الآيات المتضمنة لأسمائه ولصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد.