[سهام الجمعة]
السهم الثالث: سهام الجمعة وما أدراك ما يوم الجمعة! أين السابقون يوم الجمعة؟! لا تنصر الأمة إلا بأولئك الذين يرفعون أكف الضراعة إلى رب الأرض والسماء.
في معركة عين جالوت انتظر الملك المظفر قطز بالمسلمين وقت صلاة الجمعة ليباشروا قتال أعدائهم وخطباء المسلمين على المنابر يعجون مع المسلمين إلى الله بالدعاء أن يؤيدهم وينصرهم.
ولما نشبت المعركة واشتدت تعرض السلطان للقتل على أيدي التتار، فأحاط به مجموعة من الفرسان قذفوا بأنفسهم شاهرين سيوفهم يدافعون عنه، وكان منهم فارس ملثم يدافع عنه، فأصابته طعنة قاتلة خر على إثرها صائحاً: صن نفسك يا سلطان المسلمين صن نفسك يا سلطان المسلمين! ها قد سبقتك إلى الجنة ها قد سبقتك إلى الجنة! ولما تبين للسلطان أن الفارس الملثم إنما هو السلطانة زوجته هاله الأمر.
اسمعي رعاك الله اسمعي بارك الله فيك! حمل زوجته حتى أدخلها الخيمة، ووضعها على فراشها، وأخذ يقبل جبينها والدموع تنهمر من عينيه وهو يقول: وازوجاه! واحبيبتاه! فأحست به ورفعت نظرها إليه، وقالت بصوت متقطع وهي تجود بروحها: لا تقل واحبيبتاه! لا تقل واحبيبتاه! ولكن قل: واإسلاماه! ثم ما لبثت أن لفظت أنفاسها الأخيرة.
فوضع السلطان على جبينها قبلة، ومسح دموعه، وترك الشهيدة لمن يتولى تجهيزها، وخرج إلى جيشه فكبر وكبروا، وحملوا واستبسلوا، واشتدت الهجمات، فتقدم السلطان فكشف عن خوذته وألقى بها إلى الأرض، وصرخ بأعلى صوته: واإسلاماه واإسلاماه! ودعوات المصلين في المساجد ترتفع إلى رب الأرض والسماء: اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم دمر الشرك والمشركين.
وحمل القائد المظفر قطز ومن معه على التتار حملة صادقة وهم يرددون آيات الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال:١٥]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:٤٥ - ٤٦].
بالصبر والثبات والدعاء تنتصر الأمة على الأعداء، برهبان الليل وفرسان النهار يقهر الكفار.
اعلمي رعاك الله! واعلم بارك الله فيك! أن قيام الليل وإطلاق السهام في الظلام عز في الدنيا وشرف في الآخرة وعون على الأعداء في الجهاد.
سأل عظيم الروم رجلاً من أتباعه - كان قد أسر مع المسلمين - فقال: أخبرني عن هؤلاء القوم! قال: أخبرك كأنك تنظر إليهم، هم رهبان بالليل، فرسان بالنهار، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربوه حتى يأتوا عليه.
فقال عظيم الروم: لئن صدقت ليملكن موقع قدمي هاتين.
ولقد فعلوا ولقد فعلوا لله درهم.
ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا وسطرها صحائف من ضياء فما نسى الزمان ولا نسينا وكنا حين يأخذنا ولي بطغيان ندوس له الجبينا وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر: أين المسلمونا نعم أيتها الغالية! تقدمت الأمة يوم أن صامت، وقامت، وحكمت كتاب ربها وسنة نبيها؛ فلما ضيعت الأوامر ضاعت وتعطلت أسلحتها، ولما نسيت أمر الله نسيها، ولم تصب سهامها، وتسلط عليها أعداؤها.
يقول أحد مراسلي الإذاعات عن مجزرة وقعت في كشمير: رأيت مجزرة لم أشهد أبشع منها؛ كان ضحيتها ألفاً من المسلمين، كنت أرى جثثاً بلا رءوس لأطفال ونساء.
لماذا يذبحون؟! لماذا يذبحون ونستكين ولا أحد يرد ولا يبين أللإسلام نسبتنا وهذا دم الإسلام أرخص ما يكون دم الإسلام مسفوك فمن ذا يرد له الكرامة أو يصون تحاصرنا المجازر كل يوم وتهدم في مرابعنا الحصون فكم من مسجد أضحى يباباً وعاث به التهتك والمجون وما ذنب الضحايا غير دين تهون له النفوس ولا يهون