[الغفلة مرض قلبي خطير]
إن الأمراض التي تصيب بني آدم على نوعين: أمراض تصيب الأبدان، ومنها نفر إلى الطبيب ونطلب العلاج.
وأمراض تصيب القلوب، وهي أشد فتكاً، وأشد خطراً من أمراض الأبدان؛ لأنها لا تكتشف إلا عند ساعات الموت؛ ولأن أمراض القلوب تؤدي إلى خسارة الدنيا وخسارة الآخرة، وتؤدي إلى فساد الدين؛ لذلك كانت أشد خطراً من أمراض الأبدان.
إن حياة القلوب حياة للأبدان، وموت القلوب موت للأبدان، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٤]، لكن القلوب خاوية، والناس اليوم يشكون من قسوة القلب.
إنها الغفلة التي استحكمت على حياة كثير من الناس، إنها مرض خطير، تصد عن الهداية، وتنسي الآخرة، سيظل الإنسان في غفلته ما بين راحة وجيئة حتى يفاجئه الموت، فإذا جاءه صاح بأعلى الصوت: رباه ارجعون، يريد أن يداوي ذلك القلب، يريد أن يذهب إلى الطبيب، ويبحث عن علاج لهذا القلب المريض.
أقول أحبتي: رجل من أهل الخير مر عليه رجل من أهل الغفلة فقال له: يا أبا فلان! الحالة التي أنت عليها هل ترضاها للموت؟ قال: لا، فقال له: هل نويت أن تغير هذه الحال إلى حال ترضاها للموت؟ قال: ما اشتاقت نفسي بعد، قال: هل يوجد بعد هذه الدار دار فيها معتمل؟ قال: لا، قال: وهل تضمن أن لا يأتيك الموت وأنت على هذه الحال؟ قال: لا، قال: والله ما رأيت عاقلاً يرضى بهذه الحال! اسأل نفسك: الحالة التي أنت عليها هل ترضاها للموت؟ انتهى الأجل، وانقضت الساعات، وأزف الرحيل، أمستعد أنت لمغادرة هذه الحياة، والانتقال إلى حياة أخرى؟ فالغفلة مرض خطير، حذرنا القرآن منها فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩].
وما غفل الناس إلا لاشتغالهم بأمور دنياهم بشهواتهم ولذاتهم، قال الله جل في علاه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [الأنبياء:١ - ٣].
الغفلة أودت بحياة كثير من الناس، سببها الانشغال بالدنيا، ونسيان الموت، غفلنا عن الموت وسكراته، غفلنا عن القبر وظلماته، غفلنا عن اللحد وضمته، غفلنا عن السؤال وشدته، غفلنا عن يوم القيامة وكرباته، غفلنا أن المصير إما إلى جنة وإما إلى نار.
والموت فاذكره وما وراءه فما لأحد عنه براءه وإنه للفيصل الذي به يعرف ما للعبد عند ربه والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران إن يك خيراً فالذي من بعده خير عند ربنا لعبده وإن يك شراً فما بعد أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد مر علي على أهل القبور فقال: يا أهل القبور! إما تخبرونا خبركم أو نخبركم بأخبارنا، أما أخبارنا: فإن البيوت قد سكنت، والنساء قد تزوجت، والأموال قد قسمت.
ثم قال: أما والله لو تكلم أهل القبور لقالوا: تزودوا فإن خير الزاد التقوى، أمرنا بعمارة الأعمار، واستغلالها في الطاعات؛ لأن العمر الذي نحياه عمر واحد، إذا مضى لا يرجع أبداً، فاغتنم هذا العمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم الحياة قبل الممات، اغتنم الشباب قبل الهرم، اغتنم الصحة قبل المرض، اغتنم الفراغ قبل الانشغال، اغتنم الغنى قبل الفقر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والجاهل من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)، تأمل في حال الناس اليوم حتى ترى مقدار الغفلة التي يعيشها كثير من الناس إلا من رحم الله.