إنني والله احترت ماذا أقول وكيف أعنونها، فاختاري أنت بعد سماعها عنواناً ولك الخيار.
اتصلت علي تعرض مشكلتها قالت: كنت في علاقة مع شاب، وكان من ثمراتها أني وقعت في الحرام مرات ومرات، لكنني بعد حج هذا العام تبت وندمت وأقلعت عن الذنب، فبماذا تنصحني؟ قلت: اصدقي في التوبة، واسألي الله السماح، فانفجرت باكية وهي تقول: والله إني صادقة، لقد أحرقت المعاصي قلبي، وأجرت دمعي حاراً على وجهي، فهدأتها وقلت: ابشري بالخير فرحمة الرحمن واسعة، وإنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى.
قالت: بقيت مشكلة أعاني منها، قلت: ما هي؟ قالت: لا زال يتصل بي من حين إلى حين، أو يرسل إلي رسائل في الجوال، مع العلم أنه هو أيضاً قد صلح حاله وتبدلت أوضاعه، فقلت: ما الهدف إذاً من الاتصال والإرسال؟ هذا باب من أبواب الشيطان ولابد أن يغلق، فإن الله قد قال:{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}[البقرة:١٦٨] إن كان صادقاً ويريد تصحيح ما كان فليطرق البيت من بابه، قالت: إنه يستمع لأشرطتك ويتابع أخبارك، قلت: أعطيني رقم هاتفه وسأتصل عليه.
اتصلت عليه، وعرفته بنفسي، ففرح واستر، فقلت له: اتصلت عليّ فتاة يهمها أمرك وتريد لك الخير، لقد قالت: لقد كنت أنت وإياها على علاقة محرمة، ثم منَّ الله عليكما بالتوبة والهداية، فاحمد الله على ذلك، ثم قلت: لكن بقي أمر، قال: ما هو؟ قلت: أمر الرسائل والاتصال، إن كنت صادقاً تريد أن تصحح ما مضى فاطرق البيت من بابه، كما قال الله:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}[البقرة:١٨٩] وإلا فاقطع ذلك وأغلق باب الشيطان، فوعدني خيراً.
دارت الأيام ومضت الليالي، ثم اتصلت علي الفتاة مرة أخرى فسألتها عن أخبارها وحالها، فقالت: على أحسن حال، ثم سألتها عن فلان فقالت: لقد انقطعت الرسائل تماماً وانقطع الاتصال، لكن! ثم سكتت وطال سكوتها، فقلت: ما بكِ؟ قالت: هناك أمر لابد أن تعرفه فكيف أستحي منك وأنا لم أستح من الله، قلت: ما هو؟ قالت: لم أقل لك: إني متزوجة وعندي ثلاثة أطفال! فصعقت أنا وتلعثمت ولم أستطع الكلام، صاح في داخلي صائح ونادى مناد: يا ألله! ألهذه الدرجة وصل بنا الضياع والانحلال؟! حبست دموعي أسىً على واقع المسلمين، قالت باكية: لم لا تتكلم؟! أعلم أن جرمي عظيم ولكني تائبة، والله يحب التوابين، ووالله إني نادمة ومنطرحة بباب رب العالمين.
تمالكت نفسي، وقلت: والأطفال أطفال من؟! فقالت: أقسم بالله العظيم إنهم أبناء أبيهم وأنا متأكدة من ذلك، فقلت: هل عرفت الآن لماذا كان الزنا من أبشع الجرائم وأقبحها؟ به تنتهك الأعراض وتختلط الأحساب والأنساب، لذلك قال الله:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء:٣٢]، بل رتب عليه أبشع العقوبات، الرجم حتى الموت، وبدأ بالزانية قبل الزاني فقال:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}[النور:٢]، فبدأ بها لأنها لو لم تمكن من نفسها لما حدثت هذه الجريمة.
فبكت حتى قطعت قلبي من بكائها، تقول: أشعر كلما رأيت زوجي أني مجرمة، وأني حقيرة، ودائماً أردد على مسامعه: سامحني واعف عني، وهو لا يدري لماذا أقول له هذا، بل فكرت مرات ومرات أن أصارحه، فقلت: استري على نفسك، فمن سترت على نفسها ستر الله عليها، ولكن اصدقي مع الله في التوبة.
فزاد بكاؤها، شعرت حينها أنها صادقة في توبتها، أحسبها كذلك والله حسيبها، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.