للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الحساب]

ثم يبدأ الحساب وتكشف الحقائق وتظهر الفضائح {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].

تذكري -أمة الله- أنك بين يدي الله موقوفة، وسيكلمك ربك ليس بينك وبينه ترجمان، تنظرين أيمن منك فلا ترين إلا ما قدمت، وتنظرين أشأم منك فلا ترين إلا ما قدمت، وتنظرين أمامك فلا ترين إلا النار، فاتقي النار ولو بشق تمرة.

ستقفين وستسألين عن القليل والكثير عن الصغير والكبير ستسألين عن العمر فيما أفنيته، وعن الشباب كيف قضيته، وعن المال من أين اكتسبته وفيما أنفقته، سيكون الحساب عسيراً وشديداً، إنه حساب بالذرة {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:٣٠].

إنه {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [النحل:١١١].

فيه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩].

ستسألين أخيه عن صلاتك كيف أديتها وهل حفظتها، ستسألين عن الصوم والزكاة، ستسألين عن كل صغيرة وكبيرة، بل سوف تسألين عن كل كلمة قلتها وسمعتها، ستسألين عن كل حقوق وواجبات، وأوامر ومنهيات، فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً، ومنهم من يحاسب حساب عسيراً ويدعو ثبوراً.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه -أي: ستره- فيقول: أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا، فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى العبد في نفسه ورأت الأمة في نفسها أنها قد هلكت، قال الله: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعط كتاب حسناته).

أما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رءوس الخلائق: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨].

أيتها المؤمنة! إنها محكمة شعارها {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧]، قاضيها الملك الديان الذي لا يظلم أحداً، سيشهد عليك سمعك وبصرك ولسانك، قال سبحانه: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:١٩ - ٢٤].

فلا إله إلا الله كيف يكون الحال إذا شهدت العينان، وقالت: أنا إلى الحرام نظرت! ولا إله إلا الله إذا شهدت الأذنان وقالت: أنا إلى الحرام استمعت! ولا إله إلا الله إذا شهدت اليدان وقالت: أنا للحرام أخذت وبطشت! ولا إله إلا الله إذا شهدت الرجلان وقالت: أنا للحرام مشيت!