قدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشام متفقداً أحوالها، فزار صاحبه أبا الدرداء في منزله ليلاً، فدفع الباب فإذا هو بغير غلق، ثم دخل في بيت مظلم لا ضوء فيه، فلما سمع أبو الدرداء رضي الله عنه حسه قام إليه ورحب به، ثم جلس الرجلان يتبادلان الأحاديث والظلام يحجب كلاً منهما عن عيني صاحبه، فجس عمر وساد أبي الدرداء فإذا هو برذعة، وجس فراشه فإذا هو حصا، وجس دثاره -يعني لحافه- فإذا هو كساء رقيق لا يغني شيئاً من برد الشام، فقال له عمر: رحمك الله يا أبا الدرداء! ألم أوسع عليك؟! ألم أبعث لك؟! فقال أبو الدرداء:(أتذكر يا عمر حديثاً حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: وما هو؟ قال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب)، فماذا فعلنا بعده يا عمر! فبكى عمر وبكى أبو الدرداء، وما زالا يتجاوبان البكاء والنحيب حتى طلع عليهما الفجر.
فلا إله إلا الله والله أكبر! كيف إذا جاء عمر وأبو الدرداء ونظرا في أحوالنا؟! كم غيرنا؟! وكم بدلنا؟! وكم انفتحت الدنيا؟! ومضت الأيام قدماً وتوفي أبو الدرداء رضي الله عنه كما هو سبيل كل حي، فرأى عوف بن مالك الأشجعي فيما يراه النائم مرجاً أخضر فسيح الأرجاء وارف الأفياء فيه قبة عظيمة من أدم حولها غنم رابضة لم تر العين مثلها قط، فقال: لمن هذه؟ فقيل: هذه لـ عبد الرحمن بن عوف، فبينما هو يتأمل في حسن المرج وبهائه إذ طلع عليه عبد الرحمن بن عوف من القبة، وقال: يا ابن مالك! هذا ما أعطانا الله عز وجل على القرآن هذا ما أعطانا الله عز وجل على القرآن، ولو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم تر عيناك وسمعت ما لم تسمع أذناك ووجدت ما لم يخطر على قلبك، أعده الله عز وجل لمن؟ أعده الله لـ أبي الدرداء لأنه كان يدفع عنه الدنيا بالراحتين والصدر.