في يوم أحد رأى عبد الله بن حرام رضي الله عنه وأرضاه في ليلة المعركة أنه يقتل، فقال: يا جابر! أوصيك بأمك وأخواتك خيراً، ثم قتل عبد الله بن حرام كما رأى، فرؤيا المؤمن حق، فبكى جابر على فقد أبيه، (فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم مبشراً فقال: يا جابر! لا تبكِ؛ فوالذي نفسي بيده! إن الله كلم أباك كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، وما كلم أحداً قبله، فقال: تمن يا عبدي، قال: أتمنى يا ربي أن أرجع إلى الدنيا فأقتل فيك، قال تعالى: إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون، ولكن أحل عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً).
والشهداء لهم فضل عظيم عند الله، فإن أرواحهم في حواصل طير معلقة بعرش الرحمن يغدون ويروحون في الجنان، ويزوجون من الحور العين ما يشاءون، ويطلع عليهم الرحمن في كل حين فيقول لهم: ماذا تشتهون؟ فيقولون: نشتهي أن نرجع إلى الدنيا فنقتل فيك، فيقول: إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون، قالوا: يا ربنا نريد أن نبلغ قومنا وأهلنا أننا لم نمت، وأننا أحياء حتى لا يزهدوا في الجهاد والاستشهاد، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، فقال سبحانه:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٦٩ - ١٧٣]، والخير لا يزال في هذه الأمة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، شاء من شاء، وأبى من أبى، وسيتمن الله هذا النور بعز عزيز أو بذل ذليل، قال تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٢١]، وحينها سيعلم أهل الطابور الخامس أي منقلب ينقلبون، وسيعلم الذين يسعون في الأرض فساداً ويظنون أنهم مفلحون أي منقلب ينقلبون، قال تعالى:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}[الطارق:١٥ - ١٧].