ولقد قاموا بقتل الأنبياء قبل ذلك وتآمروا على قتل عيسى عليه السلام، فأخزاهم الله حتى أصبح اسمهم: قتلة الأنبياء، ولقد وصفهم القرآن بهذه الجريمة الشنيعة فقال الله:{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}[المائدة:٧٠]، وقال الله:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران:٢١]، فلديهم جرأة عجيبة على الفتك بدعاة الحق للتخلص من معارضتهم لجرائمهم، ولوقوفهم في وجه أهوائهم حتى ولو كان هؤلاء الدعاة من أنبيائهم! فهاهو قاض من قضاتهم يقتل نبي الله حزقيال عليه السلام؛ لأنه نهاه عن منكرات فعلها.
ثم هاهو أحد ملوكهم يقال له: منسي يقتل نبي الله أشعيا بن أموص عليه السلام، ويأمر بنشره على جذع شجرة في سنة سبعمائة قبل الميلاد؛ لأنه كان ينصحه ويعظه بترك السيئات والموبقات.
وقاموا برجم نبي الله آرميا عليه السلام؛ لأنه أكثر من توبيخهم على منكرات أعمالهم وكبائر معاصيهم.
وقام ملك من ملوكهم يقال له: هيرودس بقتل نبي الله يحيى عليه السلام، فقد كان هذا الملك شريراً فاسقاً، وكانت له ابنة أخ يقال لها: هيروديا، وكانت بارعة الجمال، فأراد عمها الملك أن يتزوج بها مخالفاً بذلك كل الشرائع السماوية، وكانت البنت وأمها تريدان هذا الزواج، فانتشر بين الرجال والنساء، فلما علم يحيى عليه السلام بذلك أعلن معارضته لهذا الزواج، وبين حرمة هذا الزواج في شرع الله، فلا يحل للعم أن يتزوج بابنة أخيه بأي حال من الأحوال، وهم يريدون أن ينتهكوا المحارم دون أن ينكر عليهم أحد، فحقدت أم الفتاة على يحيى وبيتت له مكيدة قتل، فزينت ابنتها هيروديا بأحسن زينتها وأدخلتها على عمها، فرقصت أمامه حتى ملكت مشاعره، فقال لها: تمني علي، فقالت له: أريد رأس يحيى بن زكريا في هذا الطبق، كما علمتها أمها الفاجرة، فاستجاب لطلبها وأمر برأس يحيى عليه السلام فقتل، وقدم لها رأسه في طبق والدم ينزف منه! وكان ذلك في سنة ثلاثين ميلادية.
قال المؤرخون: وفي حادثة مقتل يحيى عليه السلام قتل عدد كبير من العلماء ممن أنكر على ذلك الحاكم هذا العمل الشنيع، ثم قام هذا الملك أيضاً بقتل زكريا عليه السلام؛ لأنه دافع عن ابنه يحيى عليهما السلام؛ ولأنه عارض ذلك الزواج الفاسد، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة:٣٠].