إنقسم المسلمون مع صلاتهم إلى ثلاثة أقسام: قسم لا يصلي ولا يركع ولا يسجد لا بليل ولا نهار، وأسماؤهم: عبد الله وعبد الرحمن، وكذبوا والله! إذ لو كانوا عبيداً لله لما خالفوا أوامر الله، قال عز وجل:{أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:٤ - ٦]، ووالله! إنا لنعرف كثيراً ممن منَّ الله عليهم بالاستقامة والهداية، فسألناهم عن أحوالهم في الصلوات، فكثير منهم يقول: مرت علي سنوات لم أسجد فيها ولم أركع، سنوات لم يسجدوا لله فيها ولم يركعوا! فأي حياة هذه؟! والله! لن يستقيم حال الإنسان إلا إذا استقام على صلاته، ووالله! إنك يا عبد الله! لن تتقرب إلى الله بقربة أعظم من المحافظة على الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم:(سددوا وقاربوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) فوالله! لن ينفعك صوم ولا حج ولا زكاة ولا أي نوع من الأعمال إلا إذا صلح أمر الصلاة، فإن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة عن صلاته: إن استقامت وصلحت نظر الله في باقي الأعمال، وإلا:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:٢٣].
وهناك قسم: لا يركع ولا يسجد وهم كثير، وقد امتلأت بهم البيوت وانتشروا في الطرقات، وتراهم في المجمعات -في أوقات الصلوات- يغدون ويروحون وكأن الأمر لا يعنيهم! وقسم آخر: وهم أيضاً كثير، يقدمون ويؤخرون، وينامون ويتكاسلون، ويلعبون ويلهون، إن استيقظ أحدهم من نومه صلى، إن انتهى من لعبه صلى، وإن انتهى من أكله وشربه صلى، وتناسوا أن الله قال:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:٤ - ٥]، وتناسوا أيضاً قول الله تعالى:{لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون:٩]، وتناسوا قوله أيضاً:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣].
ولو أنك يا عبد الله، موظف في شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات، ودوامها يبدأ من الساعة السابعة صباحاً، فأتيت اليوم الأول بعد عشرين دقيقة من مرور الوقت واستقبلك الرئيس، فإنه سيغض الطرف عنك، فإن جئتهم في اليوم الثاني كذلك فسيخاطبك ويقول لك: إن نظام المؤسسة ودوامها يبدأ من الساعة السابعة لا من السابعة والنصف، ثم إن تكرر منك التأخر ستعطى إنذاراً شفهياً أو خطياً، فإذا تكرر منك التخلف والتأخر فلا مكان لك في تلك المؤسسة، فهذه مؤسسة وشركة من الشركات، فكيف بالذين يتأخرون عن طاعة رب الأرض والسماوات مرات ومرات! قال صلى الله عليه وسلم:(ولا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله).
إذاً فالناس في الصلاة على أقسام: قسم لا يركع ولا يسجد، وقسم يقدم ويؤخر، ويتهاون ويتكاسل وهم كثير، ولا ينطلقون إلى المساجد إلا إذا سمعوا الإقامة أو مضى من الصلاة ركعة أو ركعتين، وتناسوا أن الله قال:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة:١٠ - ١١].
وقسم ثالث: وهم قلة قليلة -وأنا أعني ما أقول- مقارنة بتعداد هذه الأمة، أمة المليار أو يزيد، فإن أردت أن تشهد هذه القلة فاشهدها في صلاة الفجر، فإنك سترى العجب العجاب، وستعرف أن آلافاً مؤلفة بل ملايين تغط في سبات عميق، وقلة قليلة هي التي انتصرت على فرشها وشهواتها وانطلقت تجيب منادي الله، وحين ينطلق أذان الفجر فاخرج إلى الشارع، حتى تعرف مقدار المأساة؛ فإنك لا تكاد ترى سيارة تتحرك، ولا تكاد ترى إنساناً يسير، ولا تكاد تسمع أصواتاً في البيوت، ثم ادخل إلى المسجد فسترى آباءً وكباراً في السن، وقلة قليلة من الشباب الذين هداهم الله، والبقية الباقية تغط في سبات عميق! ثم اخرج بعد صلاة الفجر بساعة، وانظر إلى الناس وقد ملئوا الطرقات والتقاطعات، وانتشروا في مناكب الأرض يطلبون الدنيا، ولا كأن الله قبلها بساعة ناداهم مناديه: الصلاة خير من النوم! وواقع حال كثير من الناس يقول: النوم خير من الصلاة! فأسألك بالله العظيم هل صليت الفجر اليوم في صفوف المصلين أم اتصفت بصفات المنافقين؟ وأليس أثقل الصلوات عليهم صلاة الفجر وصلاة العشاء؟ وأليست طائفة من هذه الأمة قد اتصفت بالنفاق في مشارق الأرض ومغاربها؟ فهل تريد أن تعرف مقدار المأساة؟ اسمع بارك الله فيك!