إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وحياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم كما جمعني وإياكم في هذا المكان أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين.
إن المقصد والهدف من هذا الاجتماع أن نسير أنا وإياكم يداً بيد كي ننجو من عذاب الله، ونفوز برحمته تبارك وتعالى؛ لذا اخترت لكم حديثاً عن نعمة عظيمة الكل يتمناها، والكل يقول: ادعوا لي بهذه النعمة، وهذه النعمة التي سأحدثك عنها هي سر السعادة في الدنيا والآخرة، وصاحب هذه النعمة سعيد مرتاح البال، مطمئن القلب، إذا أصابته سراء شكر، وإذا أصابته مصيبة صبر، فهو على خير على كل حال من أحواله، وهذه النعمة تنفع صاحبها في الدنيا وعند الموت وبعد الموت، فأما في الحياة فحياة طيبة، وأما عند الموت فثبات من رب الأرض والسماوات، وأما بعد الموت فأمن وأمان، قال الله:{لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}[الأنبياء:١٠٣]، أي: أصحاب هذه النعمة، {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:١٠٣ - ١٠٤].
والناس بدون هذه النعمة لا قيمة لهم، فهم أموات في صور الأحياء وإن أكلوا وإن شربوا، وإن غدوا وراحوا، فلعلك عرفت هذه النعمة، إنها نعمة الهداية، إنها الميلاد الجديد والحياة الجديدة، إن لكل واحد منا ميلادين: الميلاد الأول: هو يوم أن خرجنا من بطون أمهاتنا لا نعرف شيئاً، فخرجنا نبكي لا ندري ماذا يراد بنا في هذه الحياة: أنت الذي ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً وأما الميلاد الثاني وهو الأهم: فهو يوم أن يسلك العبد طريق الهداية والاستقامة، ويعلن التوبة والرجعة والإنابة إلى الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ كعب بن مالك يوم أن تنزل القرآن يعلن فيها توبة الله على أولئك الثلاثة الذين خُلِّفوا:(يا كعب! أبشر بخير يوم منذ ولدتك أمك)، فيوم التوبة ويوم سلوك طريق الاستقامة هو أعظم وأفضل يوم في الحياة، يوم أن يرجع العبد إلى الله، فيفرح الله تبارك وتعالى بذلك وهو الغني تبارك وتعالى عن عباده.
أيها المسلمون! كلنا ذوو خطأ، وخير الخطائين التوابون، وليس عيباً أن نخطئ، لكن العيب كل العيب أننا نتمادى في الخطأ ونستمر فيه، وأنا أعرف وعلى يقين أن أمامك فتناً كثيرة، ومغريات كبيرة، لكن طريق الاستقامة واضح بيِّن، فقد سلكه الكثير فوجدوا فيه الراحة والسعادة والطمأنينة، فإن كانوا قد استطاعوا أن يسلكوا هذا الطريق فأنت أيضاً تستطيع أن تسلكه، فالفتن تواجههم كما تواجهك أنت، لكنهم عرفوا معنى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥]، وأنت كذلك تعرفها، وأنت من أهل هذه الكلمة العظيمة، فاسلك الطريق ففيه سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.