عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء)، قال ابن القيم رحمه الله: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدراً وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق- يعني الحياء- لم يكرم الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى المرء الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولولا الحياء لم تستر عورة، ولم يمتنع عن فاحشة، ولولا الحياء لم تفعل الواجبات وتترك المحرمات، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل رحماً، ولم يبر والدين، فالحياء من خلق الصالحات، أما العاصيات فلا حياء لهن؛ لأن المعاصي تذهب الحياء، قال ابن القيم رحمه الله: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه -يعني ذهاب الحياء- ذهاب الخير أجمع، فقد جاء في الحديث الصحيح:(الحياء خير كله) والمقصود: أن الذنوب تضعف الحياء من العبد والأمة حتى ربما انسلخ منه بالكلية، وربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، ولا باطلاعهم عليه، بل كثير وكثيرات يخبرن عن حالهن وقبيح أفعالهن، والحامل على ذلك ذهاب الحياء، قال صلى الله عليه وسلم:(كل أمتي معافى إلا المجاهرون) وإذا وصل العبد والأمة إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه وصلاحها مطمع.
واعلمي أخية! أن لا حياء فيها فهي ميتة في الدنيا، وشقية في الآخرة، ومن استحت من الله عند معصيته استحى الله من عقوبتها يوم تلقاه، ومن لم تستحي من الله عند معصيته لم يستح الله من عقوبتها.