للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحتم المسارعة إلى التوبة النصوح]

قال الربيع بن خيثم لأصحابه: الداء هو الذنوب، والدواء هو الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود.

قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:٨]، فما هي التوبة النصوح أيتها الغالية؟! قال عمر رضي الله عنه: التوبة النصوح: أن يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود.

وقال الحسن البصري في معنى التوبة النصوح: أن يكون العبد نادماً على ما مضى، مجمعاً على أن لا يعود إليها.

وقال أيضاً: التوبة النصوح: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإظمار بأن لا يعود.

قال يحيى بن معاذ: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب والتائبة: إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس في كل همة.

قال محمد الوراق رحمه الله: قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها غلق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن وقال الشاعر: من منا لم يخطئ قط ومن له الحسنى فقط إن أنت رمت محسناً رمت الشطط أخية! ليس العيب أن تخطئي، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، كما قال صلى الله عليه وسلم، لكن العيب كل العيب أن تصري على الخطأ، فتدبري هذه الدعوة العظيمة من الرحمن الرحيم، وهو يدعوك ويدعو الجميع إلى المسارعة إلى رحمته وجنته، قال سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٤]، لكن هل هم معصومون عن الخطأ؟

الجواب

لا، فلا عصمة لأحد، فقد قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] فالإصرار على الذنب هو الهلاك، وهو سبب التعاسة والشقاوة، ولكن لما أخطأ العبد أو الأمة ولم يصرا على خطئهما كانت النتيجة: {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٧ - ١٣٨].

أيتها الغالية! ينقصنا الضمير الحي، النفس اللوامة التي إذا أذنبت لامت وعاتبت، فإن الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك الفارط من المعصية إصرار ورضىً بها، وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك، وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب، مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه، قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.