للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محاسبة الله للعباد فرداً فرداً

تخيل نفسك عبد الله! إذا نوديت باسمك على رءوس الخلائق: أين فلان بن فلان؟ استعد للعرض والوقوف بين يدي الله! وقد وكلت الملائكة بأخذك فساقتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك، إذا عرفت أنك المراد بالدعاء.

تخيل إذا قرع النداء قلبك فعلمت أنك أنت المطلوب، فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك، تخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه، والوقوف بين يديه، وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيدي الملائكة قد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك.

فلا إله إلا الله إذا وقفت بين يدي ربك ليس بينك وبينه ترجمان، في يدك صحيفة مخبرة بعملك، لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل وقلب منكسر، والأهوال محيطة بك من بين يديك ومن خلفك، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها أبداها وأظهرها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف، وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً.

فيا حسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت في طاعة ربك! عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (يدني الله العبد منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه - يعني ستره - فيقرره بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه هلك، فإذا كان ممن تاب وسلك طريق الهداية قال الله له بعد أن قرره بذنوبه: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم)، فيعطى كتابه بيمينه، فينطلق بين الملأ فرحاً مسروراً ضاحكاً مستبشراً يقول بأعلى صوته: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:١٩ - ٢٤] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:٣٨ - ٣٩].

لكن قل لي بالله العظيم: كيف لو كان ممن سلك طريق الغواية وجاءته النهاية بلا توبة ولا أوبة، يقرره الله بذنوبه ثم يقول الجبار: يا ملائكتي! خذوه ومن عذابي أذيقوه، فلقد اشتد غضبي على من قل حياؤه معي فيؤتي كتابه بشماله، فيخرج إلى الملأ وهو يقول: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٥ - ٢٩] {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:٤٠ - ٤٢].

فأي مصير تريد؟! أي مصير تريد؟!