للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سهام عابرة القارات]

إن كانت صواريخهم طويلة المدى فصواريخ الدعاء سهام عابرة للقارات.

اسمع واسمعي ماذا يصنع الدعاء! خرج رجل من الصالحين العباد الزاهدين في تجارة فاعترضه قاطع طريق فقال: أقتلك، قال: خذ المال والتجارة، ودعني أمضي في طريقي، فقال: سآخذ المال والتجارة وسأقتلك، فقال العابد الزاهد: دعني أصلي لله قبل أن ألقاه، قال: صل ما بدا لك! فصلى، ورفع شكواه إلى الذي يسمع سره ونجواه، دعاه سراً وناجاه: يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، يا مغيث أغثني! يا مغيث أغثني! يا مغيث أغثني! سلم وأنهى صلاته، فإذا بقاطع الطريق ملقىً على الأرض ينزف دماً وعلى رأسه فارس أبيض، ذو ثياب بيضاء وعمامة بيضاء، على فرس أبيض، فقال من شدة الفرح: من أنت؟! قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما دعوت الدعاء الأول قرقعت أبواب السماء، ولما دعوت الدعاء الثاني ضجت الملائكة في السماء، ولما دعوت الدعاء الثالث قلت: يا ربي! مضطر يناديك، فائذن لي في إغاثته، أنا من جند {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢].

يا صاحبي في شدتي، ويا مؤنسي في وحدتي، ويا حافظي عند غربتي، ويا وليي في نعمتي، ويا كاشف كربتي، ويا سامع دعوتي، ويا راحم عبرتي، ويا مقيل عثرتي، يا إلهي بالتحقيق، يا ركني الوثيق، يا رجائي عند الضيق، يا مولاي الشفيق، ويا رب البيت العتيق، أخرجني من حلق المضيق إلى سعة الطريق، وفرج من عندك قريب وثيق، واكشف عني كل شدة وضيق، واكفني ما أطيق وما لا أطيق.

اللهم فرج عني كل هم وكرب، وأخرجني من كل غم وحزن، يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية، يا أرحم الراحمين.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ادع الله يوم سرائك، يستجب لك يوم ضرائك) -إي وربي- (من تعرف على الله في الرخاء تعرف الله عليه في الشدة).

إن الدعاء عباد الله! من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ومن أنفع الأدوية، وهو يدفع البلاء ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل.

لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء، فعليكم بالدعاء عباد الله! رجل يقال له صهيب يسهر الليل، يبكي، ويناجي، فعوتب على ذلك، فقالت له مولاته: أفسدت على نفسك يا صهيب! فقال: إن صهيباً إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طار نومه.

سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه.

طوبى لقلوب ملأتها خشيتك، واستولت عليها محبتك، فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك والاجتهاد في مرضاتك، وخشيتك قاطعة لها عن كل معصيه خوفاً من أليم عقابك.

ما ضر المقبلين على الله ما فاتهم من الدنيا إذا كان الله لهم حظاً، وما ضرهم من عاداهم إذا كان الله لهم سلماً.

ولله در القائل: هنيئاً لمن أضحى وأنت حبيبه ولو أن لوعات الغرام تذيبه وطوبي لقلب أنت ساكن سره ولو بان عنه إلفه وقريبه فما ضر قلباً أن يبيت وما له نصيب من الدنيا وأنت نصيبه ومن ترض عنه أنت في طي غيبه فما ضره في الناس من يستغيبه فيا علة في الصدر أنت شفاؤها ويا مرضاً في القلب أنت طبيبه وصدق الله وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، قال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].

والدعاء سلاح المؤمن والمؤمنة، والسلاح بضاربه، فمتى كان السلاح قوياً لا آفة فيه، والساعد قوياً، والمانع مفقوداً، حصلت النكاية في العدو؛ ومتى تخلف واحد من هذه الثلاث تخلف التأثير.

فتدربوا على استعمال السلاح، واعلموا أن العلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم.

فيا معلم آدم وإبراهيم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا، علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.