قال عمر بن ثابت: لما مات علي بن الحسين رحمه الله غسلوه فجعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل أكياس الدقيق ليلاً على ظهره، يعطيه فقراء المدينة، وفي رواية: إنه كان يسير بالليل ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل.
إنه عمل وصدق وإخلاص.
ولما حانت ساعة وفاة معاذ رضي الله عنه قال:(اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك وأنا الآن أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء، ولا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لقيام الليل وصيام الهواجر ومجالسة العلماء).
أخية! هم يبكون على فعل الطاعات وعلى قيام الليل، وصيام الهواجر، ونحن على ماذا نبكي؟! النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها لا دار المرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أما ليل أهل السباق فليل عجيب، قال الله عنهم:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:١٧] وقال عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة:١٦].
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إن لم تستطع قيام الليل وقيام النهار، فاعلم أنك محروم، ثم قال: أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب، فإذا تحرك قال: ليس هذا لك، قومي أيتها النفس خذي حظك من الآخرة.
هكذا كان ليلهم، فكيف هو ليلنا يا أَمَةَ الله؟ أترك الجواب لكِ.