[أساليب الشيطان في إغواء بني آدم]
اعلم -بارك الله فيك- أن للشيطان أساليب كثيرة، وأن له خبرة وباعاً طويلاً في إضلال البشرية، فمنذ أن خلق الله آدم وهو يتفنن في إضلال البشرية.
وهدف الشيطان الأول هو: أن يشرك الناس بالله تبارك وتعالى، فما زال بقوم نوح حتى أغرقهم الله، وما زال بعاد وثمود حتى أهلكهم الله، وما زال بقوم فرعون حتى أغرقهم الله، وما زال بقوم لوط حتى أمطرهم الله حجارة من السماء، فأضلهم الشيطان ثم تبرأ منهم، وقد قال: {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:١٧] قال أهل التفاسير: يعني سآتيهم من طريق دنياهم، فأزين لهم الدنيا وما فيها، لذلك قال الله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦]، وقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:٢٠]، فأخبر الله عن الحياة الدنيا أنها متاع الغرور، فلا يغرنكم الشيطان بتزيين هذه الدنيا وما فيها.
هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى انتقال وما دنياك إلا كمثل ظل أظلك ثم آذن بالزوال فأسلحته كثيرة، وخبرته طويلة، ومن أعظم أساليبه: تزيين الباطل، فهو يزين الباطل للناس كما زين لآدم فقال له: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠]، وكما قال: {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:٣٩]، وكما قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:١٢٠].
ومن أساليبه أيضاً: أنه يسمي الأشياء بغير مسمياتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستأتي سنوات خداعات، يؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويتكلم فيها الرويبضة)، فتنقلب فيها الموازين، وتسمى الأشياء بغير مسمياتها، واليوم نرى بأم أعيننا المنكر يسمى معروفاً، والمعروف يسمى منكراً، فيسمون الأغاني والألحان فناً وطرباً، ويسمون الزنا علاقات جنسية، ويسمون الخمور أم الأفراح وانشراح الصدور، ويسمون الربا الذي حاربه الله ونهى عنه بفوائد وأرباح بنكية! فضحك الشيطان على البشرية، فصاروا يسمون الأشياء بغير مسمياتها.
ومن أساليبه أيضاً: تحبيب الكسل والفتور إلى الناس، قال الله عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد، فإذا أراد أن يقوم قال له: ارقد فإن وراءك ليلاً طويلاً، فإذا قام وذكر الله انحلت العقدة الأولى، فإذا قام وذكر الله ثم توضأ انحلت العقدة الثانية، ثم إذا قام وذكر الله ثم توضأ ثم صلى انحلت العقدة الثالثة)، فبذكر الله نستطيع أن ننتصر على الشيطان.
فلنسأل أنفسنا أين نحن من هذا الحديث؟ وأين نحن من هذا الكلام؟ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل نام عن صلاة الصبح -أي: صلاة الفجر- فقال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه).
فأسألك بالله العظيم: كيف كان حالك هذا الصباح؟ أبال الشيطان في أذنيك كما فعل بكثير أم أنت ممن ذكرت الله حتى انحلت العقد واحدة تلو الأخرى؟ فما أكثر الذين يبول الشيطان في آذانهم في كل يوم! ومن أساليبه أيضاً: الوعد والتمنية، قال الله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:١٢٠]، فكم من شاب أراد أن يتوب فسوَّف له الشيطان، وكم من شيخ كبير أراد أن يعود ويئوب فمنَّاه الشيطان، فهو يعدهم ويمنيهم بلعل وسوف وعسى، وأكثر صياح أهل النار من لعل وسوف وعسى.
ومن أساليبه أيضاً: إظهار النصح، فهو يظهر للبشرية أنه لهم ناصح، وهو الكذوب كما قال لآدم: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٢١]، وكذب فإنه والله لمن الكاذبين، ومع ذلك أقسم إنه لمن الناصحين! ومن أساليبه: التدرج في الإضلال، فهو يأخذهم خطوة خطوة، نظرة فابتسامة فكلمة ثم معصية لله تبارك وتعالى، كأن يقول: ادخل القنوات إلى بيتك لمتابعة الأخبار ومتابعة ما يحدث في العالم، ثم فجأة تنقلب الشاشات إلى لهو وغناء، ثم زنا وفاحشة ورذيلة، ثم انتهاك للمحرمات في البيوت، فكم ضحك الشيطان على الناس بإدخال الشاشات والقنوات إلى بيوتهم! ومن أساليبه أيضاً: أنه يخوف أولياءه كما قال الله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥]، فإذا أراد أحد منا أن يأمر بمعروف أو ينكر منكراً هدده الشيطان وتوعده، وقال له: إن ردة فعل الناس كذا وكذا، وإن الناس لا يتقبلون مثل هذا الكلام، فهو يخوفهم، ولكنه يخوف أولياءه، ولا يخوف الشيطان إلا أولياءه.
فأساليبه كثيرة تتنوع وتتغير باختلاف الوقت والزمان، فقد يظهر أنه ناصح ولكنه في الحقيقة ماكر وكذاب كبير.
وقد قيل: إن رجلاً كان تحت جدار وكان الجدار على وشك السقوط، فجاءه رجل فأقامه من مكانه، فما هي إلا لحظات حتى سقط ذلك الجدار، فقال الرجل: جزاك الله عني خيراً فقد أنقذتني من الهلاك، فمن أنت؟ قال: أنا الشيطان، قال: أنت الشيطان وتفعل معي هذا! قال: نعم، خشيت أن تموت شهيداً؛ لأن الذي يموت في الردم والهدم يعتبر شهيداً، فقاتله الله! كم أضل من زاهد! وكم أغوى من عابد! وقد حذر الله وأنذر منه، فمن استجاب فقد فاز ونجا، ومن لم يستجب فلا يلومن إلا نفسه.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.