إن الاستغفار هو الأمن والأمان للذي يستحق بتركه العذاب، قال الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال:٣٣]، قال الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب الأمان الأول وبقي الأمان الثاني، ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ))؛ لأنك كنت أمانهم فذهبت وبقي لهم الأمان الثاني: وهو الاستغفار: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون).
قال ابن الجوزي: إن إبليس قال: أهلكت بني آدم بالذنوب، فلما رأيت فيهم ذلك نفثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:١٠٣ - ١٠٤].
فكثير من الناس يعيش في ضياع وهو يظن أنه على خير، وقد قال لي أحدهم: إن فلاناً مرءوسه في العمل يقول: فلان أخلاقه عالية لكن فيه عيباً واحداً، قلت: وما هو؟ قال: لا يصلي مع الناس في المسجد، ثم لقيته بعدها بأيام وأنا خارج من المسجد وهو خارج من الصالة الرياضية، فهو يحرص على جسمه كما قال الله عن المنافقين:{َإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}[المنافقون:٤] يهتمون بالمظاهر، أما السرائر فخاوية لا يعلمها إلا الله، والمشكلة مصيبة المضيعين أنهم يظنون أنفسهم على خير، قال: لقيته فقلت له: كيف حالك؟ قال: بخير، فقلت: رئيسك يذكرك بخير؟ فضحك وابتسم لأنه يرضي الخلق ولا يرضي الخالق، نسأل الله العفو والعافية، قلت: يقول رئيسك: إنك على خير وأخلاق وكذا، وهو يضحك، ثم قلت: لكنه يقول: إن فيك عيباً واحداً قال: وما هو؟ لأنه حريص على ألَّا يراه رئيسه على خطأ معين، قلت: يقول: إنك لا تصلي مع الناس في جماعة، قال: والله! صحيح، فنحن مقصرون، قلت له: قلت: مقصرون؟! لا يا عبد الله! فعندما لا تراني في تكبيرة الإحرام كل يوم فأنا مقصر، وعندما لا أدرك ركعتي السنة قبل الفجر فأنا مقصر، وعندما تفوتني قراءة وردي في وقت قراءته فأنا مقصر، لكنك مضيع، وتعيش في ضياع وأنت لا تشعر:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:٣٦ - ٣٧]، فمن لا يشهد جمعة ولا جماعة هل يقول: أنا على خير، أنا مقصر؟! بل هو رجل مفرط بكل ما تعني الكلمة، ذكرناه فقال: أنا أحسن من فلان! فبعد أن كان التنافس في درجات الجنان أصبح التنافس في الإقلال من المعاصي، وانقلب الميزان! نسأل الله العفو والعافية! وأحد الجالسين الآن معنا تاب واستقام وصلح حاله فآذاه أصحاب الماضي، يقول: كنت لا أصلي ولا أقوم، وهذا أول رمضان أقومه، فأتى إلي أصحاب الماضي يقولون: ما لك ولهذا الطريق؟ أنت على خير، قلت: وأي خير هذا؟ فهم على ضلال، ويريدون أن يضل صاحبهم معهم، وفي المثل: ودت الزانية لو أن كل النساء زواني، وهكذا حال كثير من الناس يزين بعضهم لبعض الضياع، يقولون: أنت على خير، لماذا التشدد؟ ولماذا التعصب؟ ولماذا التطرف والإيمان في القلب؟ فلا يحتاج أن تفعل كذا وكذا، قلت: فهم مساكين، يريدون شيئاً والطريق في الاتجاه الآخر.