[النصر ثمرة الإخاء والتضحية]
وقال الله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣]؛ لأنهم كانوا إخوة في الله، يحب أحدهم لأخيه ما يحبه لنفسه، بل كانوا (كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً)، كانوا كالجسد السليم المعافى إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، بمثل هؤلاء ننتصر بإذن الله.
كان التقاء الكفار والمسلمين في ذلك اليوم إيذاناً بمولد الدولة الإسلامية عملياً، فقاد المسلمون بعدها العالم كله إلى الخير والصلاح، وما علم العالم عدلاً وطمأنينة إلا حين استظل بظل الإسلام، واليوم انظر إلى الواقع والمرارة التي يعانيها العالم يمنة ويسرة، ففي كل مكان حروب طاحنة، ومجازر، واغتيالات، وآثام لا يعلمها إلا الله، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:٤١].
ولقد كان الانتصار في ذلك اليوم بالإسلام، ولن ننتصر بغير الإسلام، وتاريخنا أكبر دليل على ذلك، وصدق عمر حين قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
كان العرب في الجاهلية متفرقين، فمن الذي وحدهم؟ إنه الإسلام، كانوا أعداء فمن الذي ألف بين قلوبهم؟ إنه الإسلام، كانوا على شفا حفرة من النار، فمن أنقذهم؟ إنه الإسلام، فالعرب المتفرقون المتقاتلون المتناحرون أصبحوا بالإسلام وحدة رصينة، ودولة عظيمة، وأمة متماسكة، وقوة ضاربة لا تتساوى مع أي قوة من قوى الأرض.
أرسل ملك الروم إلى ملك الصين يستنصره على أولئك الرجال، فقال له ملك الصين: والله إن عندي قدرة أن أرسل إليك جيشاً أوله في الصين وآخره في منابت الزيتون، لكن هؤلاء الرجال لا يقوم أمامهم أحد، لا ينامون الليل، ولا يأكلون بالنهار، شعث رءوسهم، غبر أقدامهم، فمن يقف أمام هؤلاء؟! ثم قال: أنصحك أن تدفع لهم الجزية، وألا تخاطر بمن معك، فدفعوا الجزية للمسلمين عن يد وهم صاغرون، فسارت رايات العرب والمسلمين تفتح الدنيا، بل إن هذه الحضارة من أولها إلى آخرها لم يبنها غير المسلمين، فقد امتدت دولة الإسلام من سيبيريا شمالاً إلى المحيط جنوباً، ومن فرنسا غرباً إلى الصين شرقاً.
ولك أن تتأمل في الرابط بين هذا كله، فهو الإسلام لا غيره.
أبي الإسلام لا أب لي سواه إن افتخروا بقيس أو تميم كانوا ضعفاء فأصبحوا بالإسلام أقوياء، كانوا أعداء فأصبحوا بالإسلام إخوة كالجسد الواحد، بل كانوا مستعبدين فأصبحوا فاتحين، فكيف تبدل الحال من حال إلى حال؟! قال الله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:٥٩]، وهكذا تبدل الحال، أصبحنا كالغثاء، فتداعت علينا الأمم من كل النواحي ومن كل الجهات، أعراضنا تنتهك ونحن في خلاف فيما بيننا، بل أصبحنا نحب الدنيا ونكره الموت، فما الفرق بيننا وبينهم؟ يقول أبو بكر موصياً أفراد جيوشه: احرصوا على الموت توهب لكم الحياة.
ونحن أصبحنا نعشق تراث الأعداء، وتركنا تراث الآباء والأجداد، أصبحنا نستورد المبادئ من الشرق والغرب، وما أكاديمية (ستار) إلا من حثالة ما عندهم، أصبحنا ندرس الفسق ونقيم له أكاديميات يتعلم فيها البنين والبنات! ماذا صنع الأعداء يوم أن علموا أننا لا نظهر بالمدفعية والدبابة؟ لقد نشروا الفاحشة والتخلف والدياثة في مجتمعات المسلمين، فضاعت الغيرة على الأعراض، فماذا تنتظر من الديوثين؟! وماذا تنتظر من المخنثين، ومن البغايا، والزناة، والمخمورين، وأصحاب المخدرات؟! ماذا يصنع هؤلاء؟ هل عندهم القدرة على التضحية؟! هل عندهم الاستعداد للبذل والعطاء؟! هؤلاء طلاب دنيا، وليسوا بطلاب الجنان، فطلاب الجنان يعرفون بأنهم إذا نام الناس صفوا أقدامهم أمام الله، وإذا ضحك الناس بكوا وتضرعوا إلى رب الأرض والسماء، وإذا بخل الناس بأموالهم وأرواحهم بذلوا النفوس والأموال من أجل مرضاة الله جل في علاه.
والله إن أولئك الذين يريدون إشاعة الفحشاء والتخنث في أبنائنا لا يقدمون إلا اليهود والنصارى، فهؤلاء لا مكان لهم إلا تحت الفرش وفي ظلام الليل في الغرف مع الشموع الحمراء، أما أهل ساحات الوغى فليسوا كذلك، فالذين ينصرون الدين، ويذودون عن الأعراض، ويحافظون على المقدسات، ليسوا بأمثال هؤلاء، ولن يقوم أمرنا إلا إذا رجعنا إلى الماضي، فكيف تستطيع أن تقيم البنيان من الأعلى؟! بل لا بد أن نرجع إلى الأساس: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:١٠٩]، فهل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة؟ وهل يستوي الأحياء والأموات؟ هل يستوي الظل والحرور؟ أم هل يستوي السميع والبصير؟! أبداً لا يستوون.
فقوة البنيان في أساسه، ووالله لن نستمد القوة إلا من الماضي، ولاحظ! أن أسماء أهل الماضي حية إلى اليوم، فلا زالت المنابر تلهج بذكر بلال ومصعب وملحان بن حرام وفلان وفلان.
أما زعماء هذا الزمان فثلاثة أيام عزاء ثم تنطمس الأسماء وتنطمس الأخبار، أولئك عاشوا لدينهم فأحيا الدين أسماءهم، ونحن عشنا للدنيا فطمست الدنيا أسماءنا.
قوم مضوا كانت الدنيا بهم نزهاً والدهر كالعيد والأوقات أوقات ماتوا وعشنا فهم عاشوا بموتهم ونحن في صور الأحياء أموات هل تظن أن اسم أحمد ياسين سيموت؟! أبداً والله لن يموت، فستتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، والسبب: أنه نصر الله ورسوله، كما قال الله تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].