[قبل الموضوع]
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة، وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠]).
وقال سبحانه عن إبراهيم عليه السلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم:٤٨ - ٤٩]، فسمى الدعاء: عبادة.
السؤال
ما هي العبادة؟ قال ابن القيم: هي غاية الحب مع غاية الذل والخضوع.
والعرب تقول طريق معبد: أي مذلل، والتعبد: التذلل والخضوع، فمن أحببته ولم تكن خاضعاً له لم تكن عابداً له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابداً له، حتى تكون محباً خاضعاً.
وقال رحمه الله: وسر الخلق، والأمر، والكتب، والشرائع، والثواب، والعقاب، في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]: وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين؛ فقوله تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)): هي لله: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) هي للعبد، فهذا معنى العبادة.
أما معنى الاستعانة: فهي الثقة بالله، والاعتماد عليه، فقد تثقين بالواحد من الناس لكنك لا تعتمدين عليه، وقد تعتمدين على أحد من الناس ولكنك لا تثقين به، وإنما اعتمدت عليه للحاجة إليه، قال سبحانه في هذا المعنى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:١٢٣].
وفي قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]: دليل على أننا نستعين بالله على عبادته.
فوالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا والناس أختي الحبيبة! في هذين الأصلين أي: العبادة والاستعانة على أقسام: أولها -وهو أجلها وأفضلها-: أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، فعبادة الله غاية مرادهم، وطلبهم منه سبحانه أن يعينهم عليها ويوفقهم لها، وهذا أجل وأفضل ما يسأل فيه الرب تبارك وتعالى أي: الإعانة على مرضاته.
وهذا الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: (يا معاذ! والله إني لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، والحديث صحيح.
فأنفع الدعاء أختي الحبيبة: طلب العون على مرضاة الله، وأفضل المواهب والعطايا: إسعاف الطالب بهذا المطلوب، وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا، وعلى دفع ما يضادها، فتأملي ذلك في كل الأدعية التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].
تأملي قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أصلح لي ديني)، وقوله: (ولا تجعل مصيبتي في ديني)، تأملي هذا الدعاء، استشعريه يا رعاك الله.
ثانيها: أهل الإعراض عن عبادة الله وعن الاستعانة به سبحانه، فلا عباده، ولا استعانة، وإن سأل أحدهم ربه أو استعان به فإنما ذلك لحظوظ وشهوات الدنيا، لا لمرضاة ربه وحقوقه عليه.
تأملي: أن الله يسأله أولياؤه وأعداؤه، ويمد هؤلاء وهؤلاء، فإبليس وهو أبغض أعدائه سأل حاجة فأعطاه إياها ومتعه بها، ولكن لما لم تكن عوناً على مرضاته كانت زيادة له في شقوته، وبعده عن الله، وطرده عنه، وهكذا من استعانت بالله على أمر وسألته إياه، ولم يكن عوناً على طاعة الله كان مبعداً لها عن مرضاته قاطعاً لها عنه ولا بد.
تأملي واعلمي أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة السائل عليه، بل يسأله العبد حاجة فيقضيها له وفيها هلاكه وشقوته، ويكون قضاؤها له من هوانه عليه وسقوطه أو سقوطها من عينه، وتسأل الأمة حاجة فيمنعها الله ولا يجيبها لكرامتها ومحبته لها فيمنعها حماية وصيانة وحفظاً لا بخلاً، وهذا إنما يفعله بعبده وأمته لكرامتهما ومحبتهما، فيظنان بجهلهما أن الله لا يحبهما ويكرمهما، سيما عند قضائه حوائج غيرهما من الناس، فيساء الظن بالله والمعصوم من عصمه سبحانه.
فاحذري كل الحذر أن تسألي شيئاً معيناً خيريته وعاقبته مغيبة عنك، فإن كان لا بد من سؤاله فعلقي ذلك على شرط علمه تعالى فيه الخيرية، وقدمي بين يدي سؤالك: الاستخارة، ولكن لا تكن استخارة باللسان بلا معرفة، بل استخارة من لا علم له بمصالحه، ولا قدرة لها عليها، استخارة من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفاً، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك.
وتأملي قوله صلى الله عليه وسلم: (يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وقوله: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين).