للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عزّ المؤمن في استغنائه عن الناس

والوصية الأخيرة من وصايا جبريل عليه السلام وصية عظيمة نحتاجها اليوم، قال فيها: (واعلم أن عز المؤمن استغناؤه عن الناس)، ومعنى هذا أن يتعلق العبد بالله، كما جاء في حديث ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، فلا يقِّدم للمخلوق سؤالاً، ولا يتقرب إلى المخلوق؛ فقد عزه استغناؤه عن الغير، فلا يحتاج إلا إلى الله تبارك وتعالى، فتراه يأكل ويشرب من كده وتعبه وعرقه، واعلم أن سؤال الناس مذلة، وليس بعيب أن نعمل، لكن العيب كل العيب أن نكون عالة على الآخرين، فقد عمل الأنبياء، وما من نبي إلا ورعى الغنم، وعمل موسى عليه السلام حتى يعف نفسه، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لأهل مكة؛ حتى لا يحتاج إلى الآخرين، وهكذا كان العلماء الربانيون يتكسبون كي يعفوا أنفسهم، وكانوا لا يأخذون أعطيات ولا مداهنات الأمراء والوزراء؛ حتى تكون الكلمة قوية، وحتى يستطيعوا أن يصدعوا بالحق، فالاستغناء عن الغير عزّ.

وقد دخل أحد الأمراء على عالم من العلماء وهو بين طلابه، مادّاً رجليه متبسطاً بين طلابه، فظن أنه بأُعطيته قد يستطيع أن يستحوذ على ذلك العالم، فلما جاء لم يقم له العالم للسلام عليه، بل سلم عليه وهو جالس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وهدي محمد أولى بالاتباع من مداهنة المخلوقين، فظن ذلك الأمير أنه يستطيع أن يستحوذ على ذلك العالم بعطيته أو بماله، فأرسل إليه من يعطيه آلافاً مؤلفة من الدنانير، فقال العالم: ردها إليه، وأخبره أن من مدّ رجليه لا يمد يديه.

والتقى أحد الأمراء مع أحد العلماء في بيت الله الحرام، فأراد هذا الأمير أن يتقرب إلى هذا العالم فقال له: هل لك من حاجة نقضيها لك؟ قال: والله! إني لأستحي أن أسألك وأنا في بيته، فتحين هذا الأمير خروج هذا العالم من بيت الله الحرام، فلما التقاه في الخارج قال: والآن ألك حاجة نقضيها؟ فقال العالم: أمن حوائج الدنيا هي أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، قال: ما سألت الذي يملكها أأسألك أنت؟!! (واعلم أن عز المؤمن استغناؤه عن الغير)، ولن يكون ذلك إلا إذا تعلق بالله، وعرف كيف يطرق أبواب السماء، وعرف كيف يفتح أبواب السماء بالدعاء والسؤال والذل والمسكنة لرب الأرض والسماوات، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨].

يقول جبريل: (عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزُّه استغناؤه عن الغير).

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا! من الراشدين.

اللهم إنا نعوذ من التوكل إلا عليك، ومن الوقوف إلا ببابك، ومن السؤال إلا منك يا رب العالمين! اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد سواك طرفة عين، يا رب الأرض والسموات!! اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً يا رب العالمين! ولا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا يا علي يا عظيم! وآمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين! وانصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك، انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وقوِّ عزائمهم، واربط على قلوبهم، وثبت الأقدام، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين! وكُن لهم عوناً وظهيراً، ومؤيداً ونصيراً.

اللهم اكبت عدوك وعدوهم فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز! اللهم عليك بالنصارى ومن ناصرهم، وبالشيوعيين ومن شايعهم، وباليهود ومن هاودهم، اللهم عليك بأعداء الملة والدين، فإنهم لا يخفون عليك، ولا يعجزونك يا عليم يا خبير! يا قوي يا عزيز! واجمع شملنا، ووحد صفنا، وأصلح ولاة أمورنا، وانصرنا -يا قوي يا عزيز! - على القوم الكافرين.

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥].