[حال المتقين في الصلاة وثمارها]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقو الله عباد الله، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:٢٨١]، واعلموا أن من صفات المتقين أنهم على صلاتهم يحافظون.
كيف تستطيع أن تواجه متقلبات الحياة إلا إذا انضممت واستقمت في صفوف المصلين، قال الله جل في علاه: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج:١٩ - ٢١] إلا من؟ {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:٢٢].
أيُّ المصلين؟ الذين لا يصلون إلا من الجمعة إلى الجمعة؟ أو الذين يصلون صلاتين في اليوم؟ أو الذين يتقدمون ويتأخرون.
الجواب
{ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:٢٣]، ثم أثمرت صلواتهم أخلاقاً وخشية في حياتهم {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج:٢٧ - ٢٨].
من أين أتت الخشية؟ أتت من المحافظة على الصلوات.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المعارج:٣٢] كيف أدوا الأمانات وحفظوا الحقوق إلا عندما حافظوا على الصلوات.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:٢٩ - ٣٠].
كيف حصنوا الفروج وغضوا الأبصار، إلا لأنهم من الذين هم على صلاتهم دائمون.
فإذا جاءت المداومة وجاءت المحافظة فاسمع النتيجة بارك الله فيك: {أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:٣٥]، والله لن تتقرب إلى الله بقربة أعظم من المحافظة على الصلوات.
يقول أنس: (بينما كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا رجل لا نعرفه، قال: أين هو ابن عبد المطلب؟ قلنا: ذلك الأبيض الأمهق، فجاءه وقال: يابن عبد المطلب! إني سائلك ومشدد عليك السؤال، وكان متكئاً فجلس، قال: يا محمد! من الذي رفع السماء؟ قال: الله، قال: يا محمد! ومن الذي بسط الأرض؟ قال: الله، قال: ومن الذي نصب الجبال يا محمد؟! قال: الله، قال: أسألك بالذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم نعم، قال: أسألك بالذي رفع وبسط ونصب وأرسلك إلينا رسولاً آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: آلله أمرك أن تأمرنا بالصيام؟ قال: اللهم نعم، قال: آلله أمرك أن تأمرنا بالزكاة؟ قال: اللهم نعم، قال: آلله أمرك أن تأمرنا بحج بيت الله الحرام؟ قال: اللهم نعم، قال: والذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال وأرسلك إلينا رسولاً، لأحافظن على الصلاة، ولأصومن رمضان، وأعطي الزكاة، وأحج البيت، ولا أزيد على ذلك، فلما انطلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدق دخل الجنة).
أي: إن صدق فيما قال، وحافظ على الصلوات، وصام رمضان، وأدى الزكاة، وحج بيت الله الحرام؛ دخل الجنة.
تأمل بارك الله فيك فإن الزكاة قد تسقط عنك إذا لم يكن عندك مال، والصيام يسقط بالأعذار {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤]، والحج لمن استطاع إليه سبيلاً.
لكن قل لي بالله العظيم هل تسقط الصلاة في أي حال من الأحوال؟! إذاً لو حافظ على صلاته دخل الجنة، في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان حقاً على الله من لقي الله وهو يحافظ على هذه الصلوات أن يدخله الجنة، قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، فأعادها في الثالثة، فقال صلى الله عليه وسلم: رغم آنف أبي ذر).
(خمس صلوات من أداهن حيث ينادى بهن، كن له نوراً وضياءً وبرهاناً يوم القيامة، ومن ضيعهن فلا يلومن إلا نفسه).
أطلت عليكم لكن الحديث خطير، والقضية مهمة، أبناؤنا يموتون من غير صلوات، بل حتى الشيب تهاونوا في أدائها.