للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المأساة الثالثة: يا ويلها هتكت عرض أهلها]

طالبة في الكلية، المتوقع أنها إذا تخرجت وحملت الشهادة ستصبح معلمة للأجيال ومربية للأطفال، فإذا هي تعصي ربها وتخالف دينها وتبيع شرفها وتخون أهلها وتخضع حياءها، فإن لم تكن أمينة على نفسها فماذا يرجى منها؟ في يوم الأربعاء ومع نهاية الدوام في الكلية أخبرت صاحبتها التي تشاركها البحث أنها لن تأتي يوم السبت ولكنها ستحضر يوم الأحد، لقد خططت ودبرت، فستخرج مع أحد الشباب في يوم السبت، فاستعارت جوال صاحبتها للاتصال بمن ستخرج معه.

خرجت وهي تظن أن أحداً لن يراها، نسيت أن رب الأرض والسماء يراها، في صباح السبت مع دخول الفتيات إلى الكلية أنزلها أهلها عند الباب وكلهم فخر وثقة، أنزلوها ظناً منهم أنها ستكون في الكلية لتتعلم وتتخرج وتنفع نفسها، وقبل ذلك تنفع أمتها، هذه الأمة الجريحة التي هي أحوج ما تكون لفتيانها وفتياتها.

بدلاً من أن تتوجه إلى بوابة الكلية اتجهت إلى سيارة الشاب الذي كان ينتظرها.

لفت ذلك انتباه حارس الكلية فميز السيارة ومن فيها، وأخبر أمن الكلية بذلك، فقالوا له: ترقب رجوع السيارة ظهراً وقت الانصراف.

سبحان الله! وصلت الجرأة بالبنات أن يركبن مع الشباب دون تردد أو حياء، عند الظهر جاءت السيارة ووقفت إلى جانب الكلية تحت الأشجار، فاتجه الحارس الأمين إليها، ولما نزلت الفتاة من السيارة جاءهم الحارس وأمر صاحب السيارة بالوقوف، فهرب الجبان مخلفاً ضحيته.

فقال لها الحارس بعد أن أخذ رقم السيارة: من أين أتيت؟ قالت: أنا خرجت من الكلية، فقال الحارس: إذاً ارجعي إلى الكلية! فرفضت، فلما رفضت أخذ الحارس منها شنطتها التي كانت بيدها لإجبارها على الدخول إلى الكلية لكنها رفضت.

فأخبر الحارس إدارة الكلية وسلمهم الشنطة، جاء الشاب بعدها يطالب بحقيبة الفتاة، فأخذه الحارس إلى المكتب ثم استدعى رجال الهيئة حماة الدين والأعراض، أسأل الله أن يحفظهم من كل سوء ومكروه.

قبل قدومهم استأذن الجبان لإحضار جواله من السيارة، ذهب ولم يعد، لكن العين الساهرة الشرطة أتت به برقم سيارته، في مساء ذلك اليوم اتصلت على صاحبتها بعد صلاة المغرب التي أخبرتها أنها لن تحضر في يوم الأربعاء، اتصلت عليها لتقول لها: إني أريد مساعدتك في التستر عليّ، لأنني كنت من الصباح إلى الظهر مع أحد الشباب، فقالت الصاحبة: سأساعدك، فمن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة.

تقول صاحبتها: اضطررت أن أكذب من أجلها، بل حلفت على المصحف كاذبة.

عجيب أمرهن! تستر على الباطل وتعاون على الإثم والعدوان! وأمّا صاحبتها الثانية فشهدت كذباً وبهتاناً وزوراً بأنها رأتها يوم السبت في الكلية وهي لم ترها، لا إله إلا الله! هل يظنون أن الله غافل عمّا يعملون؟ أمّا هي فلقد ادعت أن حقيبتها سرقت وأحضرت صويحباتها ليكذبن معها، بل جاءت بأمها لتقول: إنها كانت في البيت ظهراً، وتقول في التحقيق: أقسم بالله العظيم وأمام المصحف الكريم بأني كنت متواجدة يوم السبت الموافق كذا وكذا داخل الكلية من الساعة السابعة والنصف وحتى الثانية عشرة ظهراً ولم أخرج من الكلية، والله على ما أقول شهيد.

حسبي الله ونعم الوكيل! جعلت الله أهون الناظرين والسامعين إليها.

قامت الهيئة بدورها، وقام رجال الشرطة بدورهم، وجاءوا بالشاب ولا يحق إلا الحق أمام الأدلة والبراهين، اعترف الشاب بخروجها معه، وتراجعت الصويحبات أمام الاعترافات، فخارت قواها، وانكشف كذبها وعارها، ووجه لها ولصويحباتها إنذارات فصل من الكلية.

فهل من المعقول أن يكنّ هؤلاء مربيات للأجيال وصانعات للأبطال؟! المأساة الكبرى حين جاء أبوها إلى الكلية بعد استدعائه ليوقع على إنذار الفصل، جاء مطأطئ الرأس، شارد الذهن، دموعه على خده.

تقول: رجعت مع والدي وأنا أتجرع غصص الموت والألم والسهام الجارحة، لم يتكلم معي طوال الطريق، لكن نظراته الصامتة تلاحقني وكأنها تقول: لقد أجرمت بحقك وحقنا، لقد شوهت ولطخت سمعتنا، إنا لله وإنا إليه راجعون! ومثلها من الغارقات كثير.

وقفة إنا لله وإنا إليه راجعون، ومثلها من الغارقات كثير: خرجت تمزق مع الصباح حجابها قد قصرت بين الأنام ثيابها خرجت وكل الهائمين تجمهر صرخت وجمع العابدين أجابها يا ويلها هتكت عرض أهلها قد أرخصت يوم الخروج نقابها يا ويلها هذا العفاف تدوسه قد أوسقت رأس الوفاء ترابها