الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.
ومعنى: حياكم الله وبياكم: هو أن آدم لما أنزل إلى الأرض، جاءه ملك، فقال له: حياك الله يا آدم وبياك يعني: حياك الله وأصلح حالك، فبياكم معناها: أصلح حالكم، ونحن في حاجة إلى صلاح الحال؛ لأننا ذوو أخطاء، فمن منا لم يخطئ قط؟ ومن له الحسنى فقط؟ (كل بني آدم خطاء) ولا عصمة لأحد، فنحن ننسى لأننا ضعفاء.
وفي مرة من المرات تعبت حتى عافت نفسي الطعام والشراب، ولم أستطع أن أنام فقلت: ماذا حل بي؟ فهرولت إلى الطبيب، فقال: لا بأس عليك، قلت: ما المشكلة؟ قال: ارتفاع درجتين فقط في درجة الحرارة! قلت: درجتان صنعتا بي ما صنعتا! كم نحن ضعفاء! ولضعفنا لا نؤدي العبادة على الوجه الكامل، فمن منا إذا دخل صلاته لم يحدث نفسه؟ ولم يخطر على باله خاطر؟ ما منا أحد.
ومن منا إذا صلى وصام وقام لم يخالف ذلك العمل نقصاً أو خطأً؟ ومن منا إذا حج أو اعتمر لم يرفث ولم يفسق ولم يجادل؟ ما منا أحد.
فكان من رحمة الله بنا أن شرع لنا الاستغفار، في أدبار العبادات، وفي سائر الأوقات؛ لأن الاستغفار يجبر النقص، والخطأ؛ ولأن الاستغفار يقوم مقام النسيان؛ ولأن الاستغفار يقوي الضعف؛ ولأن الاستغفار يكمل العبادة الناقصة، فأول لفظ نلفظه بعد الصلاة: أستغفر الله (ثلاثاً) فمن منا لم يحدث نفسه ولم تأخذه الخواطر يمنة ويسرة وهو في الصلاة؟ لذلك نستغفر الله بعد أداء العبادة، فمن هديه صلى الله عليه وسلم:(إذا فرغ من صلاته قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله يقولها ثلاثاً)، ومن هديه:(أنه كان يعد له في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة: اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)، في كل مجلس يجلسه يردد هذا الاستغفار أكثر من مائة مرة.
ومن هديه أنه قال:(من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، غفر له ما كان في مجلسه ذلك) فلا تنس هذا الدعاء، فمن منا إذا جلس مجلساً لم يلغ فيه؟ وقد قيل: إن رجلاً كان مشهوراً بالكذب، نزل بيت إنسان يعرفه، فضيفه صاحب البيت وهو يعرف أنه كذاب، فقال: الليلة سأعمل لك عشاء، لكن توجد مشكلة، قال: ما هي المشكلة؟ قال: لقد جمعت أهل الحي كلهم، قال: وما هي المشكلة في ذلك؟ قال: المشكلة أنك تكذب كذباً لا يُصدق، قال: وماذا أعمل، لقد تعودت على هذا، يقول الشاعر: عود لسانك قول الصدق تحظ به إن اللسان لما عودت معتاد فالمضيف ما أحب أن يضيق عليه فقال له: خذ راحتك، لكني إذا رأيتك تماديت في الكذب فسأعطيك علامة، قال: وما هي العلامة؟ قال: السعال، فإذا سعلت فاعلم أنك قد تماديت في الكذب.
وعند اجتماع الضيوف بدأ الرجل يعطيهم من الكذب يميناً ويساراً، فقال لهم: يا جماعة الخير! أنا بنيت مسجداً طوله ألف متر، فسعل صاحب البيت أي: أعطاه العلامة، فقال: وعرضه متر واحد، فقالوا له: لماذا ضيقته؟ قال: ما ضيقته أنا، ولكنهم ضيقوا علي! فهذا يجب عليه أن يتوب وأن يقول إذا قام من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.