للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجود دليل على كمال الإيمان، وعلى حسن ظن العبد بربه في تعويضه عما أعطى وزيادة حسناته]

سابعها: والجود دليل على كمال الإيمان وحكم الإسلام، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة:١٧٧]، إلى أن قال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:١٧٧]، فالمتقون من اتصفوا بهذه الصفات.

والجود والبذل والعطاء دليل على حسن الظن بالله، فالله يقول في الحديث القدسي: (أَنفق يا ابن آدم أُنفق عليك) ويقول سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:٣٩].

فهذا أبو مسلم صحابي جليل أصابته فاقة، والعبد إذا بلغ مرتبة الولاية فليس بمستبعد أن الله يجري على يديه الكرامات، ففي بلاد اليمن أخذوا أبا مسلم ورموه في النار، فلما خمدت النار وجدوا أبا مسلم في النار قائم يصلي، فلما بلغ عمر الخبر، قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد كإبراهيم عليه السلام، أما قال الله تعالى للنار حين ألقي فيها إبراهيم: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩].

خرج أبو مسلم يوماً ثم رجع آتياً إلى أهله يطلب طعاماً، فقالت له امرأته: ما عندنا شيء، فبحثا داخل الدار فما وجدوا إلا ديناراً، فقالت له امرأته: اشترِ لنا بها طحيناً نخبز به خبيزاً، وأعطته وعاء، فخرج بالوعاء ذاهباً إلى السوق ليشتري طحيناً، فإذا بسائل فقير يسأل، وليس عنده إلا هذا الدينار، ولكنه أحسن الظن بالله وأعطاه الدينار لعل الله أن يعوضه خيراً ورجع إلى داره، فمر على مكان نجارة فملأ الوعاء بنشارة النجارة، ثم جاء إلى امرأته وأعطاها الوعاء، وذهب إلى مصلاه يصلي، وبعد فترات قصيرة جاءته امرأته بالخبز حاراً، فقال لها: من أين لنا الطحين؟ قالت: من الذي أتيت به، فجعل يأكل وهو يبكي.

فلما أحسن الظن بالله لم يضيعه الله.

فهذه أخبار ثابتة عنهم، ولما سخروا أنفسهم لله سخر الله لهم كل شيء، فالله لا يعجزه شيء، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

والمطلوب: أننا نحسن الظن بالله، ونعلم أننا إذا أعطينا سيعوضنا سبحانه، فأنت عندما تحسن إلى فلان وفلان من الناس، فإنهم سيردون معروفك، فكيف وأنت تتعامل مع رب العالمين؟ يقول تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٦١] فمن يعطي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف غير رب العالمين؟ ومن كرمه على المذنبين والعصاة أن يبدل سيئاتهم إلى حسنات، فأي كرم وجود أعظم من هذا؟ يقول في الحديث القدسي: (أتقرب إليهم بالنعم، ويبتعدون عني بالمعاصي، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر غيري، خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد، ومع هذا أطعمهم وأسقيهم)؛ لأنه غفور حليم كري، فإذا أعطيت فثق تمام الثقة أن الله لن يضيعك.