[الإيمان أساس عمارة البيوت وسعادتها]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: سأل مسلم أحد المجوس: أي امرأة أنكح؟ فقال: ديننا ودين اليهود والنصارى كل له مواصفات في الزوجة، قال: في الجاهلية كانت تنكح للنسب، وعند النصارى تنكح للجمال، وعند اليهود تنكح للمال، ونبيكم ينكح للدين، فاختر أنت، فهذا هو الضابط للمرأة، أن تكون صاحبة خلق ودين.
ونفس الشيء للرجل: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
إذا وضعت المرأة في يد الرجل الصالح الأمين، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يهنها، إما سيمسكها بمعروف، أو سيفارقها بإحسان.
اليوم تحصل إهانات في البيوت وأحوال لا يعلم بها إلا الله، وقد اتصلت بي أحد النساء تقول: يريدون أن يزوجوني من ولد عمي، قلت: هذا أمر طيب وخير وبركة، قالت: لكنه لا يصلي، وأعرف تماماً أنه لا يركع ولا يسجد.
هل يجوز أن نزوج مثل هذا يا إخوان؟! حتى لو كان ولد عمها، أو ولد خالها، أو قريباً من أقاربها، لا يجوز.
لماذا نقدم العادات والتقاليد القبلية البائدة على أوامر الدين؟ هذا هو سبب التأخر والمشاكل التي تحدث في البيوت الآن، فقلت لها: الجئي إلى وليك بعد الله، قالت: لجأت له بعد الله، ولكن للأسف! قال لها: إن شاء الله هدايته تكون على يديك.
تقول: قلت له: وما يدريك لعل انحرافي يكون على يديه هو؟ فأنا أحتاج إلى من يعينني لا أن أعينه.
سبحان الله! البيوت -في بعض الأحيان- إذا لم توضع لها هدفاً منذ بُنيت والله لن تستمر الحياة الزوجية، وإن استمرت فستستمر وفيها أخطاء وملابسات، وفيها أشياء لا يعلم بها إلا الله، إن لم تقم هذه البيوت على قوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦]، ويضع أصحاب البيوت هذا الهدف نصب أعينهم، ويسعون من أجل تحقيق هذا الهدف، وإلا والله كل البيوت ستتلاعب بها الشياطين صباح مساء.
كتبت إلي إحداهن تقول: تزوجنا منذ سنتين، وكنا في حال لا يعلم بها إلا الله، وكنا لا نصلي إلا نادراً (الزوج والزوجة)، وأصوات الأغاني دائماً تتردد على مسامعنا؛ فبفضل الله وبرحمته اهتدى زوجي إلى طريق الحق والصواب والثبات، وتغيرت أحوالنا تماماً، فاستبدلنا أشرطة الأغاني بأشرطة الحديث والقرآن، وحافظنا على الصلوات والصيام، ولم يكن يقف أمامنا عائقٌ إلا الدش، قاتل الله هذه الأطباق! تقول: اقترحت على زوجي أن يحذف جميع القنوات ويبقي لنا بعض القنوات التي تبث البرامج الدينية، ولكن هذه ليست وسيلة للتخلص، فالقنوات لا تزال موجودة، وكل ما عليك: أن تغير الرقم السري وتفتح التشفير مرة أخرى، فأنت لم تتخلص منها، والشيطان لا يزال يوسوس لك، ويقول لك: غير وافتح وبدل، لكن التخلص من المعصية أن تتخلص منها تماماً وألاَّ تبقي لها أثراً أمامك.
تقول: اقترحت عليه أن يحذف جميع القنوات، ويبقي لنا بعض القنوات التي تبث بعض البرامج الدينية، وانتقلنا إلى بيت ثانٍ بحكم أن البيت الأول لم يكن قريباً من المسجد.
ويوم أن جاءت الهداية وجاءت الاستقامة تغيرت الأحوال، يريدون بيتاً بجوار المسجد وغيروا القنوات، هكذا يصنع الإيمان! لكن حتى الإيمان إذا لم نحفظه فإنه يذهب، الإيمان تارة يرتفع إذا حافظنا على الطاعات، وإذا ارتكبنا المعاصي والمنكرات انخفض، فليس من الصعب أن تصل إلى قمة الجبل، لكن الصعب أن تمكث في القمة، محتمل أن تنزل، لكن إن نزلت وراجعت الحسابات تستطيع أن ترجع مرة ثانية وبسرعة، لكن إذا استمر الانحدار، ولم تراجع الحسابات، ثم إذا التفت إلى القمة فإذا هي بعيدة فالرجوع إليها يكون صعباً؛ لذا من صفات الجادين المحاسبة، ومن صفات الصادق الجاد الذي عنده هدف أنه يجرد حساباته من حين إلى حين، فإذا راجع الحسابات أولاً بأول، فإنه سيرتقي بإيمانه مرة أخرى، وكثير من الناس من ينتكس ثم يهمل نفسه، وفي داخله منادٍ يناديه: ارجع فلا يستجيب، ارجع فلا يستجيب، ثم يأتي في يوم من الأيام يفكر أن يرجع لكن المسافة قد صارت بعيدة، والفجوة صارت سحيقة، لكنه إذا راجع حساباته من أول مرة سيرجع بإذن الله.
تقول: بعد مرور سنة على حالنا هذه صارت لزوجي ظروف عمل، واضطر إلى أن يسافر عدة أشهر، وكان من الصعب أن يتركني وحدي في البيت، بحكم أننا لم نرزق بأطفال، ففكرت في أن أذهب إلى أهلي إلى أن يعود، وبالفعل ذهبت.
ثم صارت ظروف في العمل واختاروا شخصاً آخر، ورجع هو قبل إتمام المهمة، وكان المفروض أننا إذا سافرنا أن نؤثر على الآخرين لا أن يؤثروا علينا.
ومنذ أن سافر انغسلت الأفكار وتغيرت الوجهات، تقول: منذ أن رجع وبعد دخوله البيت بأسبوع أدخل لنا الإنترنت، ونحن لسنا ضد الإنترنت، ففيه خير كثير، لكن نحن ضد الاستخدام السيئ للإنترنت ما وقياساً على الحديث: ما خلا رجل أو امرأة بالإنترنت إلا كان الشيطان ثالثهما، فكم أفسدت الشبكات العنكبوتية؟! وكم دمرت من بيوت؟! وكم من عفيفة أصبحت زانية؟ وكم من شاب مستقيم أصبح من المنحرفين؟ السبب: الاستخدام الخاطئ، وضعف الوازع الديني، وقلة المراقبة في الخلوات، كل ذلك يؤدي بكثير من الشباب إلى الانحرافات نسأل الله العفو والعافية، ارتق بإيمانك، بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
بعض الشباب تضعه في مكان يؤثر على الجميع، ولله دره ما عندنا من هؤلاء إلا قليل، في أي مكان تضعه فهو يؤثر ولا يتأثر، وبعضهم بمجرد أن ينتقل من بيئة إلى بيئة إذا به يرجع لنا بأفكار أخرى.
أقول: قس مدى حقيقة إيمانك، ليس أمام الناس؛ لأن أمام الناس الكل يتزين، والكل يدعي أمام الناس أنه عابد زاهد، لكن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل يجر أقتابه في النار -نسأل الله العفو والعافية- فيقول له أهل النار: أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
ومن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، قس إيمانك -بارك الله فيك- إذا كنت خلف الجدران أترى سارقاً يسرق والناس يرونه؟ أتراه يزني والأبصار تشاهده؟ أبداً والله، لكن الذي يستشعر عظمة الله، ودعته امرأة ذات حسن وجمال، (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك) ماذا قال لها؟! {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:٢٣]، يستشعر رقابة الله.
أيها الإخوة! ساعة مع الإنترنت تهدم إيمان سنة، وساعة واحدة فقط أمام صور إباحية ومناظر خليعة تهدم طاعات وقيام ليل وصيام، أي إيمان هذا؟! أي شيء لا ينبني على أساس متين فمصيره إلى الزوال، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) فيما يظهر للناس لكنه إذا خلا وجلس أمام الإنترنت يتصفح صفحة صفحة، يا ليت أنه يتصفح الطيب، وإنما يتصفح الخبيث، نسأل الله العفو والعافية.
فلماذا تخاطر بدينك؟ أعجبني ذلك الشاب ولله دره، قال: عرضت علي دورة عمل -وكان حديث استقامة، ولم يمض على استقامته إلا شهور- قلت: ما هي الآثار المترتبة على هذه الدورة؟ قال: يا شيخ! الوظيفة ستتغير رأساً على عقب، وراتبي سيتضاعف من ستة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، والمميزات التي سأحصل عليها بعد حصولي على الشهادة ستختلف تماماً، لكني أخاف على ديني، ولست أضمن إن ذهبت إلى هناك أني أرجع وأنا ملتزم.
يقول لي ببسيط عبارته: أنا لم أكد أتمكن من الدين وأسلك الطريق المستقيم، حتى أرجع على ما كنت عليه مرة أخرى.
والله لن أقبل هذه الدورة مهما أعطوني، ومهما بينوا لي.
الله أكبر يخاف على ماذا؟ إنه يخاف على دينه، ونحن أيها الإخوة! نجازف بديننا في مثل هذه الأمور وكأن الدين رخيص، وكل مصائب الدنيا تهون إلا مصيبة الدين.
تقول المرأة: منذ رجع أدخل الإنترنت بدون علمي حتى بدون أن يستشيرني، وبدأ يوم بعد يوم يهمل الصلاة، وترك الدروس والمحاضرات نهائياً: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:٥٠]، بدل الصلوات وقراءة القرآن صار أمام الشاشات والقنوات والصور الخليعة والصور الإباحية، وصار شغله الشاغل الإنترنت، فيجلس عليه طوال الوقت، وكنت أقوم بالليل ولا أجده بالفراش، وإنما جالساً ساعات وساعات أمام الشاشات والقنوات، ولا يجلس معي، ولا يكلمني إلا إذا احتاج إلى شيء، هاتي لي أو افعلي لي! لكن طالب الحور العين، والذي يتذكر تلك التي لو ضحكت غطى نور وجهها نور الشمس والقمر، يبدل هذا بذاك، بعد ذلك ما هي المتعة أو اللذة المترتبة على هذا؟ أليس النظر إلى المحرمات موت بطيء، ونار تحترق في الداخل، لماذا أخاطر بنفسي؟! أمرنا الله بغض الأبصار لكي يعذبنا؟ أبداً، وإنما أمرنا حتى نرتاح وتطمئن النفوس؛ لأن المعاصي تنكت في القلب، فإذا أطلق النظر، وأطلق السمع، وأطلق الكلام، ماذا بقي؟ سيبدأ يتبع خطوات الشيطان خطوة خطوة.
تقول: لا أذكر أنه كلمني بكلام طيب منذ أن أدخل الإ