[حال العبد عند الموت]
أما أحوال الناس عند الموت فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه، قلنا: يا رسول الله! ما المستريح؟ وما المستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والفاجر يستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب).
قال لقمان لابنه: يا بني! أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفاجئك.
فكيف بك إذا نزل بك مرض الموت وحلت ساعة الاحتضار ووقف أبوك المشفق بجوارك، وأمك الحنون وأولادك الصغار والكبار من حولك، قد أحاطوا بك إحاطة السوار بالمعصم ينظرون إليك بعين الرحمة والعطف والشفقة.
قد سالت دموعهم وحزنت قلوبهم، يرجون لك الشفاء ويتمنون لك البقاء، ولكن هيهات هيهات حيل بينهم وبين ما يشتهون، فلا يملك أحد من الخلق أن يزيد في عمرك أو يرد إليك عافيتك، إن الذي أعطاك الحياة بلا اختيار منك هو الذي يسلبها منك، فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار، إنا لله وإنا إليه راجعون.
فكأن أهلك قد دعوك فلم تسمع وأنت محشرج الصدر، وكأنهم قد قلبوك على ظهر السرير وأنت لا تدري، وكأنهم قد زودوك بما يتزود الهلكى من العطر.
يا ليت شعري كيف أنت إذا غسلت بالكافور والسدر، أو ليت شعري كيف أنت على نبش الضريح وظلمة القبر، قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:٨].
قال رجل لـ داود الطائي: أوصني، قال: عسكر الموت ينتظرونك.
كان مالك بن دينار يقول: والله لو استطعت ألا أنام ما نمت، فقيل: لماذا يا أبا يحيى؟! قال: أخشى أن يأتيني ملك الموت وأنا نائم، ولا أريد أن يأتيني إلا وأنا على عمل صالح.
فلله درهم، لكن قل لي بالله العظيم كيف ستكون الخواتيم؟! سمع عامر بن عبد الله المؤذن يؤذن لصلاة المغرب وهو يجود بنفسه في مرض شديد فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل وقد عذرك الله، فقال: والله إني لأستحي أن أسمع منادي الله ولا أجيب - الله أكبر! كم هم اليوم الذين يسمعون ولا يجيبون - فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات.
قل لي بالله العظيم كيف يبعث يوم القيامة؟ {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:٣١ - ٣٢].
فكيف أنت إذا بالماء والسدر غسلوك، وكيف أنت إذا بالكفن الأبيض أدخلوك، وكيف أنت إذا في القبر المظلم أنزلوك!