الذي أخر الناس عن التوبة والصدق والاستعداد للآخرة طول الأمل، ولقد قال الله عنهم:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الحجر:٣].
الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٦ - ٢٧].
الكل سيموت لأن الله قال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠] ولأن الله قال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:٣٤]{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:١٨٥].
مات الحبيب الذي كان يقول في آخر لحظات الحياة:(ألا لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
من وصاياه في ساعات احتضاره وفي ساعات وداعه، أنه كان يقول:(الصلاة وما ملكت أيمانكم).
صعد المنبر آخر ما صعد فقال:(من أخذت منه مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، من سببت له عرضاً فهذا عرضي فليقتص منه، من ضربت له جسداً فهذا جسدي فليقتص منه؛ إن رجلاً خيره الله بين ما عنده وبين زينة الدنيا فاختار ما عند الله؛ فبكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا: ما الذي يبكي هذا الشيخ الكبير؟!) لقد علم أنها آخر ساعات الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه في آخر ساعات احتضاره أخذ يضع يده في ركوة من الماء ويمسح على وجهه، ويقول:(لا إله إلا الله إن للموت لسكرات إن للموت لسكرات اللهم هون علي الموت وسكراته اللهم هون علي الموت وسكراته فلما رأت فاطمة شدة البلاء على أبيها أخذت تقول: واكرب أبتاه واكرب أبتاه واكرب أبتاه فأخذ يقول لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم لا كرب يا فاطمة على أبيك بعد اليوم، ثم أخذ يشخص ببصره إلى السماء ويرفع بيده السبابة وهو يناجي ربه ويقول: اللهم اغفر لي اللهم ارحمني اللهم تب علي اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى).
ثم سكتت الأنفاس الطاهرة، وتوقف القلب الكبير؛ لأن الله قال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠] لأن الله قال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:٣٤]{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:١٨٥].
فلما فارقت الروح الحياة وسكت ذلك الجسد الطاهر الشريف أخذت فاطمة تقول: واأبتاه واأبتاه أجاب رباً دعاه واأبتاه أجاب رباً دعاه واأبتاه جنة الفردوس مأواه واأبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دُفن، قالت فاطمة لـ أنس: أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟! يقول أنس: فقلت في نفسي: والله ما طابت، ولكننا ألجمناها إلجاماً.
مات الحبيب لأن الله قال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠] الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت.