[الطريق إلى الجنة]
الوقفة الخامسة والأخيرة: عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: (أول ما قدم رسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: يا أيها الناس! أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قلت: (يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً, وتقيم الصلاة المكتوبة, وتؤتي الزكاة المفروضة, وتصوم رمضان, وتحج البيت.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة, والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار, وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦].
ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وسنامه؟ رأس الأمر الإسلام, وعموده الصلاة, وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.
ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا -وأشار إلى لسانه- قال: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، حديث صحيح.
هذا هو الطريق؛ لكن في الطريق عقبات نعم عقبات، فتن وشهوات لأن الجنة حفت بالمكاره, وحفت النار بالشهوات، قال الله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:١٤].
هل يتجاوزونها؟ نعم يتجاوزونها إذا عرفوا ثمن الثبات، قال الله: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:١٥].
من هم أصحاب هذه المنازل وأصحاب هذه الدرجات؟ {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٦]، صفاتهم: {الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٧] بقلوبهم، {وَالصَّادِقِينَ} [آل عمران:١٧] بأرواحهم، {وَالْقَانِتِينَ} [آل عمران:١٧] بنفوسهم، {وَالْمُنْفِقِينَ} [آل عمران:١٧] أموالهم، {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ} [آل عمران:١٧] بألسنتهم.
اللهم اجعلنا منهم ومعهم.
اسمع الطريق: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً).
إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث كاذب اعلم أنه إذا عرف الثمن هانت العقبات أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك؟ فيقول لهم: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك.
قالوا: يا ربنا! فأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).
هنيئا لمن أضحى وأنت حبيبه ولو أن لوعات الغرام تذيبه أيها المشتاق للقاء في جنات النعيم، ليكن بيتك الخلوة, وطعامك الجوع, وحديثك المناجاة، فإما أن تموت بدائك, وإما أن تصل إلى دوائك.
أخيراً أحبتي! ها نحن في بيت الله التقينا وأوشك اللقاء على النهاية، سنفترق في دروب الحياة وكلنا أمل ورجاء وحسن ظن بالله أن يكون الملتقى الجنة.
لئن لم نلتق في الأرض يوماً وفرق بيننا كأس المنون فموعدنا غداً في دار خلد بها يحيا الحنون مع الحنون يا من أحل الصادقين دار الكرامة، وأورث البطالين منازل الندامة، اجعلني ومن حضر من أفضل أوليائك زلفى، وأعظمهم منزلة وقربة، تفضلاً منك علي وعلى إخواني وأخواتي يوم تجزي الصادقين بصدقهم.
يا أكرم من رجي، ويا أحق من دعي، ويا خير من اتقي، امنن علينا بغفرانك، وعاملنا بفضلك وإحسانك، وهب لنا نوراً من أنوارك، وذكراً من أذكارك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اجعل لنا لسان صدق في الآخرين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، ونجنا من عذابك ونيرانك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، والحاضرين منهم والغائبين.
اللهم اجعل ملتقانا بعد تفرقنا في دنيانا في جناتك، اجعل خير عمرنا آخره، وخير عملنا خواتيمه، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجمع شملنا ووحد صفنا، وأصلح ولاة أمورنا، واغفر لنا وارحمنا، وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين.
أستغفر الله العظيم.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.