[قتال أم عمارة في غزوة أحد، وثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليها]
عادت بعد بيعة العقبة الثانية وهي تبث روح الفداء والتضحية والثبات في أبنائها، فلما كان يوم بدر خرج ابنها عبد الله بن زيد، يقاتل تحت راية التوحيد، ولم يخرج ابنها الثاني حبيب؛ لأنه يومها لم يبلغ الحلم.
توفي زوجها زيد، فتزوجها غزية بن عمرو، فلما كان يوم أحد خرجت هي وزوجها وابنها عبد الله، وعبد الله بن جحش، وكبار الصحابة، ولما اشتدت المعركة، وانقلبت الموازين.
لما خالف الرماة الأوامر وتركوا أماكنهم، والتف المشركون حول النبي صلى الله عليه وسلم:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب:١١]، وصار نبيهم في خطر! تآمر الأعداء على كلمة واحدة في ذلك اليوم: قتل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أنى لهم ذلك والرجال والنساء يحوطونه بأجسادهم وقلوبهم! فالتفت كوكبة من المؤمنين حول نبيهم تفديه بالأرواح، وهم قلة قليلة من بينهم أم عمارة وزوجها غزية وابنها عبد الله، الأسرة كاملة تترست أمام النبي صلى الله عليه وسلم، لما رأت رضي الله عنها تغير الظروف رمت السقاء واستلت السيف فقاتلت به دون حبيبها صلى الله عليه وسلم، حتى قال صلى الله عليه وسلم عنها:(ألتفت يميناً فإذا بـ أم عمارة تذود عني، ألتفت يساراً فإذا بـ أم عمارة تذود عني).
رآها النبي صلى الله عليه وسلم بلا ترس، ولملح رجلاً متراجعاً معه ترسه، فقال له:(ألق ترسك إلى من يقاتل) فألقى ترسه، فأخذته أم عمارة تترس به النبي صلى الله عليه وسلم، ما ترست نفسها، ولكنها دافعت عن حبيبها، فهجم عليها أحد الكفار بسيفه، فتترست له، وهجمت عليه، وضربت عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم ابنها عبد الله:(يا ابن أم عمارة! أمك أمك) فتعاونا حتى قتلا الكافر، وجرح ابنها في يده اليسرى ونزف منه الدم فقالت له أمه: انهض بارك الله فيك.
انهض نضارب القوم، وندافع عن هذا الدين، ونحمي حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟).
توقفي أيتها الغالية! واسألي نفسك هذا
السؤال
كيف استطاعت أم عمارة أن تتحمل كل هذا؟ أليس هو الإيمان الذي حرك أولئك الرجال والنساء؟ أليس هو القرآن الذي صنع ذلك الجيل الفريد؟! نعم إنه الإيمان بالله، وبوعده وووعيده الذي حمله لنا القرآن:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١].