للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية نهاية الدجال وأتباعه]

عباد الله! سيخرج الدجال كما أخبر الصادق المصدوق، فإذا عاث في الأرض فساداً جاء الأمر من الله بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ونزول عيسى علامة أخرى من علامة الساعة الكبرى التي أخبر الصادق المصدوق عنها، فينزل عيسى عليه السلام ليكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، لكن لماذا عيسى دون سائر الأنبياء؟ ذلك لأسباب، قال أهل العلم: إن اليهود تدعي أنهم قتلوه وصلبوه، ونزوله إبطالاً لباطلهم: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧]، قالوا: ونزوله دليل على قول من قال: إنه لم يمت، فلدنو أجله ينزل ثم يموت، فكل نفس ذائقة الموت، وقالوا: وجد عيسى في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ} [الفتح:٢٩] فدعا عيسى عليه السلام ربه أن يجعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله دعاءه.

فسيعيث الدجال في الأرض فساداً، ثم ينزل عيسى عليه السلام، فماذا يحدث للدجال إذا رأى عيسى عليه السلام؟ إذا جاء الحق زهق الباطل، وإذا جاء النور تبدد الظلام، وإذا جاء العدل هرب الظلم والظلمة والطغاة، فإذا رأى مسيح الضلالة مسيح الهدى ذاب كما يذوب الملح في الماء.

وهذا منظر بديع حين ينزل عيسى عليه السلام، فقد ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان مرفوعاً: (فبينما هو كذلك -يعني الدجال - يعيث في الأرض يمنة ويسرة، إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات حين رؤية عيسى عليه السلام، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه).

الله أكبر إنه منظر جليل بديع يؤذن بنهاية الظلم والكفر والطغيان.

قالت أم شريك في حديث آخر: (يا رسول الله! فأين الناس حينها؟! -أي: أين الناس حين ينزل عيسى عليه السلام؟ - قال: هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح - يعني: المهدي - فيسير الدجال حتى ينزل فيها يحاصر بيت المقدس، فبينما هو يحاصرهم إذ نزل عيسى عليه السلام، فيعرفه الرجل الصالح فيرجع القهقرى في صلاة الفجر؛ ليتقدم عيسى عليه السلام، فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه فيقول له: تقدم فصل فإنها لك قد أقيمت، فيصلي عيسى وراءه، فإذا سلم ذلك الإمام قال عيسى عليه السلام: افتحوا وأقيموا الباب، فيفتح باب بيت المقدس ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وسلاح، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وانماع، ثم ولى هارباً، فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك لضربة لن تسبقني بها، قال: فيدركه عيسى عليه السلام عند باب لد الشرقي فيقتله عليه السلام، ويهزم الله عز وجل يهوده ويقتلون أشد قتلة، فلا يبقى شيء مما خلق الله دابة ولا شجر ولا حجر يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، قال صلى الله عليه وسلم: فيكون عيسى عليه السلام في أمتي حكماً عادلاً وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتملأ الأرض من السلم والعدل كما يملأ الإناء من الماء، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها) فلا جهاد؛ لأنه لا كفر في ذلك اليوم، ثم تتابع أشراط الساعة تلو الأخرى، ثم تعود الأرض إلى كفرها وشركها فلا يبقى على وجه الأرض مؤمن واحد، وعلى هؤلاء تقوم الساعة، ولعلنا في الجمعة القادمة نتابع الحديث إلى قيام الساعة وتتابع الأشراط.

عباد الله! ما نذكر هذا إلا ليزداد المؤمن إيماناً: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:١٨ - ١٩]، وحتى ننجو من فتنته، فلا بد من المبادرة بالأعمال الصالحة، والاستعاذة من شره، وحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، وفي رواية: من آخر سورة الكهف، فإنها تعصم من فتنته.

أسأل الله أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الموحدين.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين! اللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين! اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء دينك، اللهم انصر من نصرهم واخذل من خذلهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين! وسدد رأيهم ورميهم، وصن أعراضهم واحقن دماءهم، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين! اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا! من الراشدين.

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.