الاعتذار لأننا في كل عام نكرر نفس الخطأ في رمضان، فقبل دخوله -أي قبل دخول رمضان - بأيام نعد أنفسنا ونمنيها بأننا سنصنع كذا وسنقوم من الليالي كذا وكذا، سنختم القرآن مرات ومرات، وسنبذل من الصدقات، ثم ما إن يدخل رمضان وتمضي أول الأيام حتى تفشل المخططات، وتذهب الأمنيات أتدري أتدرين ما السبب؟! السبب: أننا نريد أن نلزم أنفسنا بأعمال ما تعودناها، نريد أن نلزم أنفسنا بأعمال ما تعودناها قبل رمضان، فلا عجب سرعان ما تفشل المخططات، متى عهدنا بالقيام، وختم القرآن، ومداومة الصيام؟! أما هم فكان العام كله عندهم كله رمضان، فإذا دخل عليهم ارتفعت الهمم فزادوا في القربات.
فعذراً رمضان ابتداءً، لأن أكثرنا سيعيد وسيكرر نفس الخطأ والأخطاء.
كنا في العام الماضي في مثل هذه الأيام نرقب شهر الصوم ونتحراه، ثم ماذا؟! عام كامل بأيامه ولياليه قد قوض خيامه، وطوى بساطه، وشد رحاله بما قدمنا فيه من خير أو شر، وصدق الله - ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً)) ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)) -: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:١٤٠]، وصدق الله حين قال:{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ}[النور:٤٤].
قال ابن كثير رحمه الله: تمر بنا الأيام تترا، وإنما نساق إلى الآجال والعين تنظر.
إن الدقائق والثواني التي ذهبت من أعمارنا لن تعود، ولو أنفقنا جبال الأرض ذهباً وفضة.
اعلم واعلمي أن الأنفاس معدودة والآجال محدودة، واعلم واعلمي أن من أعظم نعم الله علينا أن مد في أعمارنا وجعلنا ندرك هذا الشهر العظيم إن أدركناه، فكم غيب الموت من صاحب، ووارى التراب من حبيب، تذكروا من صام معنا العام الماضي وصلى العيد، ثم أين هو؟! وأين هي الآن؟! غيبهم الموت وواراهم التراب، ونسيهم الأهل والأحباب.
اجعل واجعلي لك من هذا الحديث نصيباً، قال صلى الله عليه وسلم:(اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)، رواه الحاكم.
احرصوا رعاكم الله أن تكونوا من خيار الناس كما قال صلى الله عليه وسلم وأخبر حين سئل: أي الناس خير؟ قال:(من طال عمره وحسن عمله).