ودع المسلمون جيشهم وهم يدعون لهم قائلين: دفع الله عنكم، وردكم صالحين غانمين، خرج الجيش بسرية وكتمان، ولكن الطابور الخامس من اليهود والمنافقين أرسلوا الأخبار إلى إخوانهم في الكفر والنفاق بخروج جيش المسلمين، فحشدوا مائة ألف من مرتزقة العرب المتنصرة، ومائة ألف من الرومان.
لك أن تتخيل ثلاثة آلاف من الرجال يواجهون مائتي ألف من الكفار.
إن اشتباك ثلاثة آلاف في معركة حاسمة مع مائتي ألف يمثل أعظم مخاطرة ومغامرة في تاريخ الحروب.
فتشاور الرجال قبل لقاء العدو، وكان القرار هو مواجهة الأعداء مهما كانت النتائج، فكلا الأمرين: النصر أو الشهادة يمثل فوزاً للمسلم المجاهد في سبيل الله، أما التراجع دون لقاء العدو فليس من شيم الأبطال، أو الرجال، ولا مجال للتراجع عند طلاب الجنان، ولسان حالهم: سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا قال عبد الله بن رواحة مشجعاً الناس وداعياً إلى عدم التردد في القتال: يا قوم! إن الذي تكرهون هو الذي من أجله خرجتم، إما النصر وإما الشهادة، ونحن لا نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، لا نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أعزنا وأكرمنا الله به، والله! لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان، ويوم أحد فرس واحد، فانطلقوا بنا فإنما هي إحدى الحسنين، إما ظفر عليهم فذلك الذي وعدنا نبينا وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فلنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان.
فأثرت تلك الكلمات البليغة في نفوس الجيش، واشتاقت القلوب والأرواح لجنة الرحمن، وانطلقوا وهم يرددون: أرواحنا يارب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا وعلى أرض مؤتة في بلاد الشام التقى الجيشان، فريق مسلم لا يتجاوز الثلاثة آلاف وفريق كافر تعداده أكثر من مائتي ألف من الكفار.
وضع قادة الجيش في حسابهم أن الجيش الروماني قد يلجأ إلى أسلوب التطويق فعددهم يسمح بذلك، فحينها إما أن يباد الجيش عن بكرة أبيه وإما أن يجبروا على الاستسلام.
في حساب المقاييس الحربية العادية ليس من الصعب على مائتي ألف مقاتل مجهزين أحسن تجهيز، ومسلحين بأحسن سلاح أن يقوموا بتطويق ثلاثة آلاف وإبادتهم عن آخرهم، ولن يستغرق ذلك إلا ساعات معدودات.