عباد الله! لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج عزاءً وتثبيتاً للنبي صلى الله عليه وسلم لما لاقاه ولما سوف يلاقيه في سبيل الدعوة إلى الله، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراء وقد امتلأ قلبه ثقة ويقيناً، كيف لا والله يقول:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم:١٨]، كما أنه كان امتحاناً وابتلاءً لمن أسلم وآمن، فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر فما بين مصدق ومكذب، ولشدة الخبر ارتد بعض من آمن ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم، ولم تخالط بشاشته القلوب.
جاء عند البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله تبارك وتعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}[الإسراء:٦٠]، أي: امتحاناً وابتلاءً قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم طعام الأثيم، أعاذنا الله وإياكم منها.
وكانت الفتنة في تلك الحادثة ارتداد قوم كانوا قد أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أسري به، ثم عرج به إلى السماء، وجاء المستهزئون إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فأخبروه بالخبر: إن صاحبك -يعنون محمداً- يدعي ليلة البارحة أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، ثم عاد من ليلته، فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أو قد قال؟ قالوا: نعم، قال: صدق، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، إني أصدقه في خبر السماء يأتيه صباح مساء.
فثبت من ثبت عن بينة، وارتد من ارتد عن بينة.
والخلاصة: أن حادثة الإسراء كانت تطميناً ومواساة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفتنة للكافرين، وامتحاناً لضعاف الإيمان الذين زلزل الحادث إيمانهم، فكفروا ولم يعودوا إلى دائرة الإسلام حتى قتلوا، فنسأل الله العفو والعافية.