[صفات طالب العلم]
حتى تكون من طلاب العلم وفتيانه لابد من صفات وخصائص ومميزات لابد أن تتحلى بها: أولها: فتية العلم أصحاب همم عالية! كان أسد بن الفرات قد خرج من القيروان إلى الشرق سنة مائة واثنين وسبعين؛ فسمع الموطأ من مالك في المدينة، ثم رحل إلى العراق فسمع من أصحاب أبي حنيفة وتفقه عليهم، وقد حضر مجلس محمد بن الحسن الشيباني وقال له: إني غريب، قليل النفقة، والسماع منك شرف، ولكن الطلبة من حولك كثير، فما حيلتي؟ فقال له محمد بن الحسن: استمع مع العراقيين بالنهار، وقد جعلت لك الليل وحدك، فتبيت عندي وتقرأ علي وأسمعك، قال أسد: فكنت أبيت عنده، وينزل إلي، ويجعل بين يديه قدحاً فيه ماء، ثم يأخذ في القراءة؛ فإن أطال الليل ونعستُ ملأ يده ونضح وجهي بالماء فأنتبه، فكان ذلك دأبه طوال الليل، ودأبي معه حتى أتيت على ما أريد من السماع منه.
صدقوا حين قالوا: من طلب العلا سهر الليالي.
قال ابن القيم رحمه الله: فإذا نام المسافر واستطال الطريق، فمتى يصل إلى المقصود؟! وقال ابن أبي حاتم: كنا بمصر سبعة أشهر في طلب العلم لم نحصل فيه على مرقد.
نهارنا ندور على الشيوخ، وفي الليل ننسخ ونقابل، فأتينا يوماً أنا ورفيق لي شيخاً، فقالوا: هو عليل، فرأيت سمكة أعجبتنا فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس بعض الشيوخ، فمضينا، فلم تزل السمكة ثلاثة أيام، وكادت تنتن، فأكلناها نيئة ولم نتفرغ لنشويها، ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد.
ثانيها: إن أردن أن تكون من طلاب العلم وفتيته فلابد أن تحرص على الوقت، ولا تنشغل بتوافه الأمور، قال الله عنهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣]، هذا نهارهم.
أما ليلهم: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٤ - ٦٥]، وقال عنهم: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:٧٢] وكل باطل زور، {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:٧٢]، فلا ترى فتى العلم إلا في فرض يؤديه، أو خير يعمله.
روي أنه أحضر فيل في المدينة المنورة، وكان مالك بن أنس يدرس في المسجد، فقال قائل: حضر الفيل، فقام تلاميذ مالك ينظرون إلى الفيل وتركوا الشيخ، إلا يحيى بن يحيى الليثي الأندونيسي، فقال له مالك: لم لم تخرج لترى هذا الخلق العجيب وليس في بلادك مثله؟ قال: إنما أتيت لآخذ علمك، ولم آت لأنظر إلى الفيل.
ففتى العلم حريص على وقته، مترفع عن توافه الأمور، والعمر لا يقاس بالسنين ولكن بالإنجازات التي تنجز فيه.
ثالثها: العمل بالعلم، فمن أراد أن يكون من فتية العلم وطلابه فلا بد من أن يعمل بالعلم الذي تعلمه.
كتب الإمام الغزالي رحمه الله إلى أحد تلامذته حين طلب منه أن يقدم له نصيحة، فقال: يا ولدي! النصيحة سهلة، ولكن الصعب قبولها؛ لأنها في فم من لم يتعودها مرة المذاق، وإن من يحصل العلم ولا يعمل به تكون الحجة عليه أعظم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه)، وقالوا: العلم يهتف بالعمل، فإن أجاب حل، وإلا ارتحل، ولابد مع العمل من صدق وإخلاص.