[التحذير من الغرور بالدنيا]
روى الترمذي في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قرأ رسول الله صلَى الله عليه وسلَم: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:١]، قال: قرأها حتى ختمها ثم قال: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد وملك قائم، والله لو تعلمون ما أعلم لضحتكم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصُعدات تجأرون إلى الله تعالى).
ومعنى الحديث: لو علمتم ما أعلم من عظمته جل في علاه وانتقامه ممن يعصيه لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً.
يا مذنب الذنب أما تستحي الله في الخلوة ثانيك غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويك اسمع فضيحة العصاة يوم القيامة: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥].
إياك والاغترار بحلمه وكرمه فكم قد استدرج من عاص وقصم من جبار وظالم! إذا همت النفس بالمعصية فذكرها بنظر الله، لا يكن الله أهون الناظرين إليك.
إذا ما خلوت الدهر يوماً بريبة والنفس داعية إلى العصيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني الله الله! في مراقبته الحق جل في علاه! الله الله في الخلوات! الله الله في البوطن! الله الله في النيات! فإن عليكم من الله عيناً ناظرة، فسبحان الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم.
راقب العواقب تسلم، لا تمل مع الهوى فتندم.
أين لذة المعصية؟ أين تعب الطاعة؟ رحل كل بما فيه.
فليت الذنوب إذا تخلت خلت.
إن كنت تعتقد أنه لا يراك فما أعظم كفرك! وإن كنت تعصيه مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك! وما أقل حياءك! اقبل الموعظة، اعمل بالنصيحة؛ لأنه من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً * كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر:٤٩ - ٥٦].
يا مسكين! بأي بدن ستقف بين يدي الله، وبأي لسان ستجيب! أعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً! فماذا أعددت للنجاة من عظيم عقاب الله وأليم عذابه؟ لا يندفع ذلك إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات! اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك قول الحق في الرضا والغضب ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.
اللهم إنك ترى ما حل بإخواننا في العراق وما حل بإخواننا في فلسطين وما حل بهم في الشيشان وأفغانستان؛ اللهم إنك ترى مكانهم وتسمع كلامهم، فرحماك بهم يا أرحم الراحمين.
اللهم رحماك بالأطفال الرضع، ورحماك بالشيوخ الركع، ورحماك بالبهائم الرتع.
اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم مظلومون.
اللهم انصر من نصرهم، اللهم اخذل من خذلهم.
اللهم لا تدع للكافرين قوة في الأرض إلا دمرتها، ولا قوة في السماء إلا أسقطتها، ولا قوة في البحر إلا أغرقتها.
اللهم سلط عليهم ما خرج من الأرض وما نزل من السماء.
اللهم اقلب عليهم البحر ناراً، والسماء شُهباً وإعصاراً، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه يا رب العالمين، أصلح ولاة أمورنا ووفقهم للعمل بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين.
اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد، أبرم لأمتنا أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين.
اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا وجهلنا وإسرافنا في أمرنا يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافين.
وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.