ثم يموت الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وهو يصلي الفجر، هل لسبب شرعي ضُيعت صلاة الفجر؟! أم بسبب المكوث ساعات وساعات أمام الشاشات والقنوات؟ طعن وهو يقرأ قوله جل في علاه:{إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:٨٦].
نعم أيها الغالي! طعن شهيد المحراب، فلما أفاق كانت أول كلمة قالها: أصلى الناس؟ اسمع -يا رعاك الله- أول كلمة تلفظ بها عمر يوم أفاق من غيبوبته، قال: أصلى الناس؟ ثم رأى الدم ينزف منه نزفاً، تيقن أن الموت قد اقترب، كان هناك شغل يشغله وهم يهمه، قال يا عبد الله بن عمر اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يقرئك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست أميراً للمؤمنين بعد اليوم قل لها: يبلّغك عمر السلام ويستأذنك أن يُدفن مع صاحبيه.
يريد أن يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الممات.
فذهب عبد الله بن عمر وطرق الباب على عائشة وقال لها: يقرئك عمر السلام، ويقول لك: أتأذنين له أن يدفن مع صاحبيه؟ فقالت الصديقة بنت الصديق: والله إني كنت أريده لنفسي، ووالله لأوثرن عمر على نفسي فلما رجع عبد الله بن عمر ورآه عمر قد أقبل، قال: أجلسوني، فقال: ما الخطب يا عبد الله بن عمر؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد رضيت.
فتهلل وجه عمر رضي الله عنه وأرضاه لأن القضية كانت تشغله وتهمه.
ما كان يوصي بمال ولا بعيال ولا بحلال، القضية قضية مرافقة في الدنيا وفي الآخرة.
فقال عمر: إن أنا مت فغسلوني وكفنوني ثم احملوني واطرقوا عليها الباب، وقولوا: يستأذن عمر مرة ثانية، فإن أذنت وإلا فخذوني إلى مقابر المسلمين.
فلما حانت ساعة الاحتضار وبدأت تتنزل عليه كربات الموت، أخذ عبد الله بن عمر رأسه ووضعه على فخذه، فقال عمر: ضع وجهي على التراب علّ الله أن يرحم عمر، ليتني خرجت منها كفافاً لا لي ولا علي، وددت أن أمي لم تلدني ليتني كنت ورقة تعضد من هو؟! عمر الصوام القوّام يقول: وددتُ أني خرجتُ منها كفافاً لا لي ولا علي.
مات عمر مات عمر لأن الله قال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠] الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت.