وصلنا إلى المطار، ولشدة الزحام ولكثرة الرحلات تأخرت رحلتنا، وبدلاً من أن تقلع الطائرة في الخامسة والنصف أقلعت في الثامنة والنصف، وصلنا إلى هناك بعد ساعتين ونصف إلى بلد يبعد عن البلد المنكوب بالسيارة ثنتي عشرة ساعة، وهذا ليس لأجل أن المسافة طويلة، لكن لأن الطرق ضيقة، وإلا فالمسافة ستمائة كيلو، لكن لضيق الطريق ولازدحامه الشديد تقطع المسافات في ساعات طوال، فلما وصلنا استقبلنا أحد الإخوان هناك، وبدأنا نبحث عن مكان نبيت فيه في تلك الديار، فالفنادق كلها مليئة ولا تجد فيها أي مكان، فتجولنا بين فندق وثان وثالث ورابع وخامس ثم وصلنا إلى مكان كان في الأصل مستشفى لكن لشدة الزحام حوّلوا غرف المستشفى إلى فندق حتى يستقبل هيئات الإغاثة وهيئات الإنقاذ، فبتنا عندهم تلك الليلة، ففوجئت أن الباب يطرق علينا طول الليل، فإذا بالداعرات والمومسات ينتشرن بين الفنادق كلها ويطرقن الأبواب على السواح، آذونا في ليلنا كله نسأل الله العفو والعافية، وأنا أردد في نفسي وأقول: هل أنا في بلد مسلم أم ماذا؟! أحقيقة أنا في بلد مسلم أم أين أنا؟ وفي الصباح الباكر صلينا الفجر ثم انطلقنا إلى المطار بعد أن بتنا في خطر عظيم لا يعلمه إلا الله، فوصلنا إلى تلك الديار في الثامنة صباحاً، فلما نزلنا استغربت من وجود صور بالآلاف على مقدمة المطار وعلى جدرانه وفي كل مكان، وهي صور لأطفال ولرجال ولنساء، قلت: ما هذا؟ قال: هؤلاء الذين فقدوا في هذا الدمار، فصورهم معلقة في كل مكان، فآباء يبحثون عن أبنائهم، وأبناء يبحثون عن أمهاتهم، فقد ضلوا فلا يعرف أين هذا وأين ذاك، فهناك إحصائية تذكر في جريدة في اليوم الذي وصلت فيه أن عدد الذين ماتوا أكثر من مائة وستين ألفاً على مدى ثمانية عشر يوماً، وأنا وصلت إلى تلك الديار بعد مرور ثمانية عشر يوماً من حدوث تلك الحادثة، فمات أكثر من مائة وستين ألفاً، وهناك أكثر من مليون مشرد لا ملجأ لهم ولا مأوى، وأكثر من خمسة عشر ألفاً مفقودون، لا يعرف هل هم تحت الركام أم في الملاجئ أم في المستشفيات؟