روي عن الصديقة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وعن آل أبي بكر أجمعين (أنهم ذبحوا شاة فوزعتها وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بقي من الشاة؟ قالت: ذهب كلها، ولم يبق إلا الكتف، قال: لا يا عائشة! بقيت كلها ولم يذهب إلا الكتف)، ما أنفقت مدخر لها عند الله؛ لذلك قيل: إذا كان عندك تمر فلا تدفنه في الأرض، لكن ادفنه في السماء؛ لأن القلب معلق، فإذا دفن في السماء تذكر قول الله:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:٢٢].
قال الحسن: بئس الرفيق الدرهم والدينار لا ينفعانك حتى يفارقانك.
وقال أبو ذر رضي الله عنه: الصلاة عماد الإسلام، والجهاد تمام العمل، والصدقة شيء عجيب، ثم كرره وأعاد قال: الصدقة شيء عجيب.
من عجائبها: قال صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسقي أرض فلان! فاتجهت تلك السحابة فأفرغت ماءها في حرة، فإذا تلك الحجارة مسيل ماء قد استوعبت ذلك الماء كله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فتتبع الرجل الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: اسمي فلان، قال: إني سمعت صوتاً في السحاب يقول: اسقي حديقة فلان، فماذا تصنع بها حتى يساق إليك هذا، فقال: أما وقد سألت، فإني أنظر إلى ما يخرج من هذه الحديقة، فثلث أنفقه في سبيل الله، وثلث أنفقه على عيالي، وثلث أدخره في الأرض).
فهذا قسم الأموال إلى ثلاثة أقسام فكانت المكافأة من الله ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: وللصدقة تأثير عجيب في دفع البلاء، ولو كنت فاجراً أو ظالماً، بل ربما لو كنت كافراً، حتى الكفار يعلمون أثر الصدقات، فالله يكافئ الكافر في دنياه، قال تعالى:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}[الأحقاف:٢٠] فلا تقل: إن الكافر لا يكافأ على إحسانه، بل الله كريم، حتى إذا وقفوا أمامه يوم القيامة كافأهم على أتعابهم الحسنة في الدنيا، لا تقل: إن الكافر لا يعمل أعمالاً حسنة، بل يعمل لكنه يكافأ عليها في دنياه، أما في الآخرة فليس لهم في الآخرة نصيب.
قال: هذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون بأنهم جربوا ذلك، يقول الشافعي: يا لهف قلبي على مال أجود به على المقلين من أهل المروءات إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات