اعلم أن الذي حال بين الناس وبين التوبة والصدق فيها هو طول الأمل، ومن أطال الأمل أساء العمل، قال الله:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[الحجر:٣].
وقال سبحانه:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ}[المؤمنون:٥٥ - ٥٦].
اعلم أن مما يعينك على التوبة والإسراع فيها والمبادرة إليها هو ذكر الموت وساعاته.
إن الموت قريب، والعمر مهما طال فهو قصير، والدنيا مهما عظمت فهي حقيرة، فاختر لنفسك النهاية التي تتمناها.
فلا إله إلا الله كيف سيكون حالي وحالك عندما يقال: فلان بن فلان لقد دنا منه الأجل، وحانت منه ساعة الرحيل، فصائح بأعلى صوت: رباه ارجعون، رباه ارجعون رباه ارجعون، وصائح بأعلى صوت: واطرباه واطرباه غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه! فاختر الحال التي تريدها يا رعاك الله.
لما حضرت حسان بن أبي سنان الوفاة قيل له: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار، قيل له: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة أصليها كلها.
ودخل المزني على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟! فقال: أصبحت عن الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى ربي سبحانه وتعالى وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أو إلى النار فأعزيها؟ ثم أنشد: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ج علت الرجاء مني لعفوك سلماً تعاظمني ذنبي فلما قرنته ب عفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ودوداً وتعفو منة وتكرماً فاعلم يا رعاك الله! أن الآمال تطوى، والأموال تفنى، والأبدان تحت التراب تموت، وأن الأيام والليالي تبليان كل جديد، وتقربان كل بعيد، وتأتيان بكل موعود ووعيد، فانتبه يا رعاك الله من رقدة الهجوع، وارجع إلى الله بالتضرع والخشوع، وقل: آن الأوان للانضمام إلى قوافل العائدين.
قالوا: من رزق أربعاً لم يحرم أربعاً: من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة، والله يقول:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:٦٠]، ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة، والله يقول:{إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح:١٠]، ومن رزق الشكر لم يحرم المزيد، والله يقول:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:٧]، ومن رزق التوبة لم يحرم القبول، والله يقول:((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)) [الشورى:٢٥].