يقول عبد الله: في ضحى أحد الأيام ودرجة الحرارة عالية انطلقت أنا وزميل عمل لي إلى منطقة بعيدة في مهمة عمل، وكان صاحبي يتولى القيادة، وكنت بجانبه بين نائم ويقظان، وكنت أنبهه بالسرعة المحددة كلما تجاوز ذلك، وكنا نستمع إلى شريط لأحد المشايخ، وكان يتكلم فيه عن الجنة ونعيمها، وقبل وصولنا إلى تلك المنطقة حدث ما لم يكن على البال والحسبان، فانفجر الإطار الخلفي لسيارتنا من شدة الحرارة، وسبّب انفجاره صوتاً عالياً مما أربك صاحبي وأفقده السيطرة تماماً على السيارة، وأخذت السيارة تسير بنا كسفينة بلا ربان تتقاذفها الأمواج، وازداد الموقف شدة وسوءاً حين اتجهت سيارتنا إلى الطريق المعاكس، وأخذت تتجه نحو شاحنة أقبلت علينا، ولم يبق على الموت إلا لحظات، وحينها مرت بخاطري أمور وذكريات، فتذكرت أمي التي ودعتها في الصباح على أن أرجع إليها في المساء، وقلت في نفسي: كيف سيكون حالها وهي تتلقى الخبر؟ ومر بي شريط حياتي الماضية في لحظات، وأخذت أردد: بسم الله! لا إله إلا الله! الله أكبر! لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين! وأغمضت عيني بانتظار الاصطدام، ثم فتحت عيني فإذا بسيارتنا قد مرت من أمام الشاحنة التي لم يكن بيننا وبينها إلا خطوات، وسقطت سيارتنا في حفرة على جانب الطريق، وساد السيارة صمت قطعه أصوات الذين اجتمعوا حول سيارتنا، ثم نزلت من السيارة وأنا أردد: الحمد لله! الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات! الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء! والله ما كان بيننا وبين الموت إلا لحظات، وأما صاحبي فلم يستطع النزول من السيارة، وانكب على وجهه باكياً من شدة الموقف، وأنا أهدئ من روعه، وبينما نحن على هذه الحال أقبل علينا شيخان كبيران، تزينهما لحىً بيضاء وثياب قصيرة، وأخذوا يقبلوننا ويهنئوننا ويحمدون الله لنا بالسلامة، ثم قال أحدهم لنا كلمات، سأظل أذكرها ما حييت أبداً، قال: كنا خلفكم، ورأينا ما حدث لكم، ورأينا كيف مالت بكم السيارة يميناً ويساراً، ثم مرروركم أمام الشاحنة ونجاتكم من الموت بأعجوبة، لا أقول إلا أنكم كنتم في حفظ الله ورعايته، ولا بد أنكم صليتم الفجر في جماعة، فأنتم في ذمة الله! يقول عبد الله: فقلت في نفسي: الحمد لله، فأنا منذ سنوات طوال وأنا أحافظ على جميع الصلوات في المسجد، وفي صلاة الفجر، وكم أشعر بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان، وكيف لا وهي حفظ من الله وضمان؟! وقد سألت صاحبي: أين صليت الفجر اليوم؟ فلم يستطع الإجابة، ثم توجه إلى خلف السيارة، فتوضأ ثم صلى، سبحان الله! سبحان الله! لم يبق على صلاة الظهر إلا القليل، وصاحبي لم يصل الصبح إلى الآن، فأي حياة هذه؟ وكيف سيكون حاله لو مات على هذه الحال؟! وفي ذمة من سيكون؟! إن صلاة الفجر تشتكو هجراً ومقاطعة من شباب المسلمين وشيبهم ونسائهم وأطفالهم.
وإنك لتحزن أشد الحزن على حال الأمة وهي تمر بأحلك الظروف وأشد المواقف، وإلى الآن لم ترجع إلى ربها، وإلى الآن لم تراجع حساباتها! لي فيك يا ليل آهات أرددها أواه لو أجدت المحزون أواه أنى التفت إلى الإسلام في بلد وجدته كالطير مقصوص جناحاه قال سبحانه:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:٤٢ - ٤٣]، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون:٧٦]، وقال سبحانه:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٦ - ٩٩].
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم يا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا لما تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا لما وصلنا إلى الشاطئ عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله أبشر يا من حافظت على صلاة الفجر وباقي الصلوات في الجماعة فأنت في ذمة الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح) قال أهل العلم: في ذمة الله، أي: في حفظ الله ورعايته، وقالوا: إذا مات من يومه أو ليلته دخل الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم:(من صلى البردين دخل الجنة) والبردان: الصبح والعصر.
أبشر يا من صلى الفجر وباقي الصلوات في المسجد بالنور التام يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم:(بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) وما أدراك ما يوم القيامة؟ قال سبحانه:{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ}[الحديد:١٢ - ١٣]-الذين من أعظم صفاتهم النوم والتخلف عن الصلوات- {لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الحديد:١٣ - ١٧] أبشر يا من صلى الفجر بهذه البشارة العظيمة، جاء في الحديث المتفق عليه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال:(كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) اسمع الثمن؟ (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣] واسمع من أخبارهم في جنات ربهم: فبينما هم في عيشهم وسرورهم وأرزاقهم تجري عليهم وتقسم إذا هم بنور ساطع أشرقت له بأقطارها الجنات لا يتوهم تجلى لهم رب السماوات جهرة فيضحك فوق العرش ثم يكلم سلام عليكم يسمعون جميعهم بآذانهم تسليمه إذ يسلم يقول: سلوني ما اشتهيتم فكل ما تريدون عندي إنني أنا أرحم فقالوا جميعاً: نحن نسألك الرضا فأنت الذي تولي الجميل وترحم فيعطيهم هذا ويشهد جمعهم عليه تعالى الله فالله أكرم فيا بائعاً هذا ببخس معجل كأنك لا تدري بلى سوف تعلم فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.