للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى اسم الله: السميع، وأثر التعبد به]

عباد الله! ومن أسمائه سبحانه: السميع، قال جل في علاه: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧] أي: تسمع وتجيب، وقال عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:١٨١]، وقال عن نفسه: {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ:٥٠] فهو سميع لأقوال عباده وحركات مخلوقاته، ويسمع السر وأخفى، كما قال عز وجل: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد:١٠] فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه، وفي الحديث: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها، فقالت: يا رسول الله! قال لي: أنت علي كظهر أمي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً حكم الله في ذلك: والله! ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: -تشتكي وترفع شكواها إلى الله-: إن لي منه صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فقال لها: والله! ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: أكل مالي وأفنى شبابي، قال لها: والله! ما أراك إلا قد حرمت عليه.

تقول عائشة: والله الذي لا إله إلا هو! ما بيني وبينها إلا ستار، وإني لأسمع بعضاً من كلامها ويخفى علي بعضه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١]).

فرفعت إلى ربها شكواها، ونزل الدفاع عنها من ربها تبارك وتعالى، فيا أخي! أسألك بالله العظيم: أين أثر هذا في حياتنا؟ وجاء في السير والآثار أن عمر سار يوماً ومعه أبو عبيدة، فلقيته امرأة في الطريق، فقالت: إيه يا عمر! لقد كنت تدعى عميراًَ تصارع الفتيان في أسواق عكاظ، ثم أصبحت تدعى عمراً، ثم ما لبثت حتى أصبحت أميراً للمؤمنين، فاتق الله يا عمر! واعلم أن الله سائلك عن الرعية كيف رعيتها؟ فبكى عمر بكاءً شديداً، فلام أبو عبيدة المرأة لقسوتها على عمر، فقال له عمر: (دعها يا أبا عبيدة! فهذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فحري بـ عمر أن يسمع كلامها).

فسبحان الذي يسمع دعاء الخلق وألفاظهم عند تفرقهم وعند اجتماعهم! ولا تختلف عليه اللهجات ولا اللغات، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، وقد يعجز القائل عن التعبير عن مراده، والله يعلم ذلك فيعطيه الذي في قلبه.

وقد جاء اسمه السميع مقترناً بغيره من الأسماء، فجاء سميع عليم، وسميع بصير، وسميع قريب، وكلها تدل على الإحاطة بالمخلوقات، وأن الله محيط بها لا يفوته ولا يخفى عليه شيء منها، بل الجميع تحت سمعه وبصره وعلمه، وفي ذلك تنبيه للعاقل، وتذكير للغافل حتى يراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال، ومتى آمن الناس بذلك وتذكروه فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحسن، ومن الشر إلى الخير، وإذا تناسوا ذلك فسدت أخلاقهم وأعمالهم.