وقد كانت حجة الوداع أول حجة حجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته وآخر حجة في حياته؛ ولذا سميت بحجة الوداع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ودع فيها المسلمين وهو يقول لهم:(خذوا عني مناسككم) فهو سيد المرسلين ومعلم التوحيد الذي ورثه من الأنبياء قبله، ثم بين لهم الحقيقة التي لا بد منها وهي: أن مصير كل إنسان كائن من كان هو الموت، فقال لتلك الجموع التي التفت من حوله:(لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) أي: لعلي لا أحج معكم بعد عامي هذا.
ثم ينزل عليه صلى الله عليه وسلم في عشية عرفة قوله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣] فيبكي عمر رضي الله عنه عند نزولها ويقول: وهل بعد التمام إلا النقصان؟! ثم في أواسط أيام التشريق ينزل على النبي صلوات الله وسلامه عليه قوله تبارك وتعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر:١ - ٣]، وعندها يعلم العارفون من الصحابة أن منيته صلى الله عليه وسلم قد اقتربت، وأن نفسه قد نعيت إليه، وأنه يودع أمته.