[من شب على شيء شاب عليه]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.
اعلم أنه من شب على شيء شاب عليه، فمن شب على طاعة شاب على طاعة ومات على طاعة وبعث على طاعة بإذن الله، والأعمال بالخواتيم.
هذا خبر رجل من الرجال تربى على طاعة الله، وأفنى عمره وشبابه في مرضاة الله، وبذل كل لحظة من حياته حتى مماته من أجل إرضاء الله عز وجل، منذ التاسعة والعاشرة وهو يحب الأذان، حُبب إليه رفع الأذان، كان يستأذن مؤذن المسجد -وهو طفل صغير- أن يرفع الأذان من حين إلى حين، فكان يؤذن له، حتى إذا بلغ الثانية عشرة والثالثة عشرة وقد اعتذر مؤذن المسجد، عُيَّن مكانه لحبه للأذان رغم صغر سنه.
فالتزم بالأذان صغيراً، وشب على حب المسجد، فشب وهو يرفع الأذان ويردد في كل يوم: الله أكبر الله أكبر، بلغ مبلغ الرجال ولما يتخلف عن الأذان! أسألكم بالله وهو يداوم على الأذان كم مرة حافظ على تكبيرة الإحرام؟ كم جلس بين الأذان والإقامة يدعو الله ويتضرع إليه؟ وكم جلس يقرأ القرآن، وكم جلس في روضة من رياض الجنة؟ أصبح أباً وما تخلف عن رفع الأذان، وما منعته دنياه ولا تربيته لأبنائه عن رفع الأذان، والصدع بـ (لا إله إلا الله والله أكبر) حتى أصبح شيخاً كبيراً وما تخلف عن ذلك، يمسك الناس ويفطرون على أذانه، فهو من أغبط الناس وأحفظهم على الأذان.
أصبح شيخاً كبيراً، ثقلت خطاه وهو يذهب إلى المسجد وما تخلف عن الأذان، شب أبناؤه وكبروا، وقد تربوا تحت ظله ورعايته يحبون المساجد كما كان أبوهم.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه أراد أهله وأبناؤه بعد سنوات طوال أن ينتقلوا إلى دار بعيدة عن مسجده الذي تربى فيه وترعرع فيه وقضى أيام حياته فيه، فانتقلوا فأصبح من الصعب أن يلتزم بالأذان ذهاباً وإياباً خمس مرات، فقال لأبنائه: خذوني إلى المسجد صلاة الفجر ولا ترجعوا لي إلا بعد صلاة العشاء، واستمر على هذه الحال سنوات طوالاً، يمكث في بيت الله من صلاة الفجر حتى صلاة العشاء في قراءة قرآن وذكر وخدمة لبيت الله تبارك وتعالى.
حتى ثقلت خطاه وأقعده المرض في البيت، وأصبح من أهل الأعذار، فكان إذا سمع النداء يبكي ويتذكر كم مرة صدع بـ (لا إله إلا الله والله أكبر).
وجاءت صلاة ظهر في أحد الأيام فأحس في نفسه خفة وقوة، وقال لأبنائه: خذوني إلى المسجد، فاغتسل وتطيب ولبس أحسن الثياب، ثم ذهب إلى المسجد مبكراً قبل رفع الأذان، واستأذن من المؤذن حتى يرفع الأذان في ذلك اليوم، فأذن له، فرفع الأذان بعد أن انقطع عنه لفترة طويلة، أخذ يردد: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، وهو يبكي، ويتذكر تلك الأيام الجميلة كم صدع بهذا النداء الخالد.
فلما انتهى من أذانه ودعا بالمأثور رجع إلى الخلف يصلي لله ركعتين، صلى وركع وسجد ولم يرفع رأسه بعدها، ذهب إلى ربه وهو ساجد أمامه، عاش وهو يحب الأذان، ومات بعد أن صدع بالأذان، شب عليه وشاب عليه ومات عليه.
هو يحب الأذان، ويحب الصلاة، ويحب المسجد، ويحب القرآن، ويحب الدعاء، ويحب التسبيح والتكبير والتهليل، فماذا نحب أنا وأنت؟ أحبا الله فأحبهم، وبذلوا أنفسهم في مرضاته فأحسن لهم الختام، بالهمم العالية، بالنيات الصادقة يصل المرء إلى ما يريد إليه.
فيا أيها الشاب! اعمل فإنك في زمن القوة، أيها الشيخ الكبير! اعمل فأنت في زمن الإمهال، فالأعمار معلومة والآجال محدودة، وسينال كل منا زرع ما حصد، إما أن توصلك همتك العالية إلى أعلى الدرجات، أو تودي بك في الدركات.
فاسألوا الله الهمة العالية، واطلبوا العون على مرضاته.
يقول شيخ الإسلام: تأملت أجمل الدعاء وأنفع الدعاء، فوجدته طلب العون على مرضاته، فردد صباح مساء: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم أعط نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، إنك أنت وليها ومولاها.
اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اجعلنا يا ربنا من الراشدين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتبعاه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! وول علينا خيارنا واكفنا شرارنا، ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا حي يا قيوم! اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء دينك، انصرهم في الفلوجة وفلسطين، انصرهم في الشيشان وأفغانستان، انصرهم في السودان وفي كل مكان، انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، صن أعراضهم، واحقن دماءهم، وفك أسرانا وأسراهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالصليبيين المعتدين، وباليهود الغاصبين، وبالشيوعيين والوثنيين الآثمين.
اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك وقوتك يا رب العالمين! اللهم اشف صدورنا بهزيمة الصليبيين، اللهم اشف صدورنا بقتلهم وتمكين المجاهدين يا رب العالمين! اللهم أخرجهم من العراق، ومن فلسطين، ومن بلاد المسلمين أذلة صاغرين، إنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز! عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.