أحبتي! إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ومنها هذه السيارات التي نتنقل بها من مكان إلى مكان في يسر وسهولة واطمئنان، قال سبحانه:{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٥ - ٨] أي: ويخلق من الوسائل التي يركبها الناس في الجو والبر والبحر، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، ومن هذه الوسائل السيارة التي لا تخفى منافعها الكثيرة، ومصالحها الوفيرة، حتى صارت ضرورة من الضروريات في هذا العصر وفي هذا الزمان، حيث لا يستغنى عنها في قضاء الحوائج، وتحقيق المصالح، فالواجب علينا أن نشكر الله على هذه النعمة، ومن شكرنا له ألا نستخدم هذه النعمة في أغراض سيئة، أو نسيء استعمالها، أو نستعين بها على فعل المعاصي والذنوب، قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لقد استعمل بعض الناس هذه السيارة في أغراضه السيئة والوصول إلى مآربه السافلة، فصار يفر بها إلى البراري ليقترف ما تهواه نفسه بعيداً عن أعين الناس، وعن أيدي الإصلاح، وتناسى أن الله يراه في كل مكان، يخرج بعض الناس بعيداً عن البلد ليضيع ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة في وقتها، فهل يصح أن يقال لمثل هذا: إنه شاكر لنعمة الله؟ وهل يصح أن نقول: إنه سالم من عقوبة الله جل في علاه؟ كلا، فهو لم يشكر نعمة الله، ولن يسلم من عقوبة الله إلا أن يرجع إلى الحق والصواب.
السيارة نعمة أم نقمة؟ أحبتي! كم سمعنا عن أولئك الذين ماتوا في حوادث السيارات وهم سكارى، وبعضهم كان يسمع الغناء، وبعضهم كان سائراً إلى أماكن الخنا واللهو والغناء وما يكره الله جل في علاه.
أحبتي! كم تسببت الحوادث في وفيات، وإصابات، وإعاقات! كم خسرنا من شباب! وكم ترملت من نساء وتيتم من أطفال! كل ذلك بسبب الاستخدام الخاطئ للسيارة، وبسبب مخالفة الأنظمة التي وضعت لحماية الجميع.
كم تسبب متهور بسرعته وعدم مبالاته في فقد كثير من الأبرياء! وكم تسببت الحوادث في إعاقات مستديمة لكثير من الناس! قال أحدهم: أصبت في حادث مرور منذ عشرين عاماً بسبب السرعة الزائدة، وكانت الإصابة في ظهري فأدت إلى شلل كامل، وأنا الآن طريح الفراش منذ عشرين سنة، هكذا انقلبت حياتي رأساً على عقب بسبب التهور والسرعة، وبسبب عدم مبالاتي ضاعت أحلامي، وانتهت طموحاتي.
أقول: وهذا مثله كثير، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر:٢]، فالكيس الفطن هو الذي يعتبر بالآخرين، واعلم بارك الله فيك أنك إن لم تعتبر فستكون في يوم من الأيام عبرة للغادين والرائحين.