روى الواقدي بسنده عن عمر بن الحكم قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال: أين تريد؟ فقال له: أريد الشام، فقال: لعلك من رسل محمد قال: نعم، أنا رسول الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمر به فأوثقه، ثم قدمه فضرب عنقه، مخالفاً بذلك كل الأعراف والقوانين من أن الرسل لا تقتل، فلما بلغ الخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك عليه، وزاد الأمر عليه عندما قامت مجموعة من العرب المتنصرة بقتل بعثة سلمية دخلت أرض الشام تدعو العرب إلى الإسلام فقُتلوا غدراً وكان عددهم أربعة عشر رجلاً، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابد من تأديب هؤلاء الغادرين؛ ليعلموا أن لهذا الدين رجالاً يذودون عن دينهم وأعراضهم، فاستنفر القائد الأعلى صلوات ربي وسلامه عليه ثلاثة آلاف من خيرة أصحابه، وعين ثلاثة يتولون قيادة الجيش بالترتيب، وهم: زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة، فخرج الجيش لتأديب أعداء الله، وليعلم أولئك أن للإسلام رجالاً يدافعون عن دينهم وأعراضهم، ودّع المسلمون جيشهم وهم يدعون لهم قائلين: دفع الله عنكم، وردكم صالحين غانمين منتصرين، فخرج الجيش بسرية وكتمان، ولكن الطابور الخامس -قاتلهم الله- من يهود ومنافقين أرسلوا الأخبار إلى إخوانهم في الكفر والنفاق؛ بخروج جيش المسلمين.
وعلتنا في كل زمان أنَّ الخطر يأتينا من الداخل وليس من الخارج، فعداوة الخارج معروفة أمَّا عداوة الداخل فمجهولة.
فحشد الكفار مائة ألف من مرتزقة العرب المتنصرة، ومائة ألف من الرومان، وتخيل الموقف أنَّ ثلاثة آلاف من الرجال يواجهون مائتي ألف من الكفار! إن اشتباك ثلاثة آلاف في معركة حاسمة مع مائتي ألف يمثل أخطر مغامرة في تاريخ الحروب.
فتشاور الرجال قبل لقاء العدو، وكان القرار الحاسم هو مواجهة العدو أياً كانت النتائج، لأن كلا الأمرين النصر والشهادة فوز للمسلم المجاهد في سبيل الله، أما التراجع دون لقاء العدو فليس من شيم الأبطال، ولا مجال للتراجع عند طلاب الهمم، لسان الحال: فأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى فإما حياة تسر الصديق وإما مماتٌ يغيض العدى