إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أحبتي! حياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاكم، وجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يفرج هم المهمومين، وأن يكشف كرب المكروبين، وأن يقضي الدين عن المدينين، وأن يدل الحيارى ويهدي الضالين، وأن يغفر للأحياء والميتين.
لعلكم أحبتي قرأتم العنوان أو سمعتم به: لمن كان له قلب، وهل من الممكن أن يكون هناك أناس بلا قلوب؟ نعم أحبتي، القلوب الغافلة، والقلوب الشاردة اللاهية، فإن هذه القلوب لا تعتبر قلوباً حية، وإنما القلوب الحية هي التي تنتفع بكلام الله وبكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦].
إن لم يكن ذكر الآخرة يحرك القلوب فما الذي يحركها؟! إن لم يكن ذكر الجنة يشوق القلوب فما الذي يشوقها؟! إن لم يكن ذكر النار يخوف القلوب فبالله عليكم قولوا لي: ما الذي يخوفها؟! إن لم يكن هذا الحديث يدعو الصالح إلى الزيادة في صلاحه، ويدعو العاصي إلى الكف عن غيه ومعصيته فما الذي سيدعوه؟! إن الحديث: لمن كان له قلب، إنما هو الحديث عن اليوم الآخر وما به من الشدائد والأهوال، وقد قرن الله تبارك وتعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر، فقال سبحانه:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[البقرة:١٧٧]، وقال سبحانه:{ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[الطلاق:٢] فقدم سبحانه ذكر الإيمان باليوم الآخر على بقية أركان الإيمان الأخرى؛ لأن الإيمان بذلك -أحبتي- هو الضابط الحقيقي لسلوك الإنسان.
إن الإيمان بذلك اليوم وما فيه من الشدائد والأهوال لهو المحرك الحقيقي لهذا الإنسان، فلا رادع للعصاة عن عصيانهم إلا بذكر ذلك اليوم، ولا مشوق لأهل الصلاح للزيادة في صلاحهم إلا بذكر ذلك اليوم، قال تعالى:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[هود:١٠٣ - ١٠٥].
إن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وعقيدة من عقائد الإسلام الأساسية، فقضية الإيمان باليوم الآخر هي التي يقوم عليها بناء العقيدة بعد قضية التوحيد، واليوم الآخر وما فيه من الأمور الغيبية التي لا يدركها العقل، ولا سبيل لمعرفتها إلا بالنص القرآني والسنة النبوية، وفي كتاب الله -أحبتي- من ذكر اليوم الآخر وما فيه من الأهوال الشيء الكثير، فما تكاد تخلو صفحة من صفحات الكتاب الكريم من صورة من صور ذلك اليوم، أو موقف من مواقف ذلك اليوم، فهو اليوم الذي لا يوم مثله، ولا يوم قبله، ولا يوم بعده، إنه اليوم العقيم، قال سبحانه:{وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ}[الحج:٥٥].