وكان عند ابن مسعود أمنية تمناها وعاش من أجلها، وحققها بإذن الله، وقبل أن أذكر الأمنية أريد أن تسأل نفسك أنت: ما هي الأمنية التي تتمناها؟ وكن صادقاً مع نفسك، فلقد تمنى ابن مسعود أمراً فناله وحققه بإذن الله، وأنا أريدك أن تسأل نفسك الآن: ما هي الأمنية التي تتمناها؟ يقول ابن مسعود:(خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك، فلما عسكر جيش المسلمين في تلك الليلة بتنا على أحسن حال، فاستيقظت في منتصف الليل، وكنت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بفراش النبي صلى الله عليه وسلم خالٍ من صاحبه، فحسست فراش صاحبيه أبي بكر وعمر فإذا هو خالٍ من أصحابه، فنظرت في آخر المعسكر فإذا بنار قد أوقدت، والمعسكر نيام، إلا من تلك النار التي هناك وأقوام في الحراسة، يقول: فانطلقت إلى النار، فلما جئت إلى النار إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر قد حفروا قبراً وكفنوا شخصاً وأوشكوا على إنزاله في القبر، قلت: يا رسول الله! من هذا المكفن؟ قال: هذا أخوك عبد الله ذو البجادين المزني قد مات ليلة البارحة)، وهل تدري -بارك الله فيك- من هو عبد الله ذو البجادين؟ عبد الله ذو البجادين كان من أترف وأنعم شباب مكة، أسلم شاباً، وخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخرج من الظلمات إلى النور، فآذاه قومه، فما زاده ذلك إلا تمسكاً بدينه، حتى إنهم لم يجدوا حيلة معه إلا أن يجردوه من ثيابه ويحبسوه في وسط الدار حتى لا يفر من سجنه ومن داره، فما وجد إلا قطعة قماش ستر بها عورته وفر هارباً بدينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسمي بـ ذي البجادين.
قال:(فلما أنزله النبي صلى الله عليه وسلم في قبره قال: اللهم إني أمسيت عنه راضٍ فارض عنه)، يعني: عن عبد الله ذي البجادين.
فاسمع الأمنية، وقل: أين هي أمانينا من تلك الأماني؟ يقول ابن مسعود:(فوالله ما تمنيت إلا أن أكون صاحب تلك الحفرة)، تلك هي أمنياتهم: أن يحققوا رضا الله ورضا رسوله، صدقوا مع الله، وصدقوا مع كلام الله تبارك وتعالى، فصدق الله معهم، ورفع شأنهم، وشرح صدورهم، ويسر أمورهم، فحققوا في سنوات قليلة ما لم يحققه أقوام في عشرات بل في مئات السنين؛ إنهم رجال صنعهم القرآن، نفعنا الله بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.