حديثنا ليس عن الغارقين في البحار والأنهار، فأولئك إن كانوا صالحين كانوا شهداء بإذن العزيز الغفار، ولكن حديثنا رسالة إلى الغارقين في الشهوات والملذات، يرتوون منها وكأنهم مخلدون في هذه الدنيا، تناسوا أن الدنيا دار ممر وامتحان، وبعدها جزاء وحساب، ووقفة تشيب لها الولدان أمام خالق الكون وجبَّار الأرض والسماء.
إنها رسالة إلى التائهين الذين ارتسمت على وجوههم مسحة البؤس والضياع بسبب إغراقهم في الذنوب والمعاصي التي أعمت قلوبهم وأنقصت عقولهم وأزالت عنهم النعم وأحلت بهم النقم.
قال سعيد بن المسيب: ما أكرم العباد أنفسهم بمثل طاعة الله عز وجل، ولا أهانوا أنفسهم بمثل معصية الله عز وجل.
إنها رسالة إلى الذين ليس لهم هدف في الحياة إلا إشباع الغرائز والشهوات، وهم على ما هم فيه من ذل المعصية والهوان تراهم يجاهرون بأفعالهم وعصيانهم وتمردهم على أوامر الله، غاب عن حسهم قوله صلى الله عليه وسلم:(كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، قال سبحانه:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:١٧٩].
إنهم يغرقون وهم لا يشعرون! يسيرون في طريق أوله خزي وعار وآخره جهنم وبوار، قبل أن ننطلق لسماع أحوالهم وأخبارهم أوجه كلمه للذين ركبوا سفينة النجاة، فأقول: تعالوا نتعاون على إنقاذ هؤلاء فهم بحاجة إلى قلوب رحيمة، و (الراحمون يرحمهم الرحمن) إنهم بحاجة إلى كلمة طيبة، (الكلمة الطيبة صدقة) إنهم بحاجة إلى ابتسامة صادقة، و (تبسمك في وجه أخيك صدقة){فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران:١٥٩].