من فتنته وخوارقه أيضاً أنه لا يترك بقعة في الأرض إلا وطأتها قدماه إلا مكة والمدينة، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس نقب من نقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق) رواه البخاري.
وأما إسراعه في الأرض فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الصحابة عن ذلك:(فقالوا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح) رواه مسلم.
ومعنى ذلك: أن سرعته كالمطر عندما ينزل فتتبعه الريح.
عباد الله! وعلى الرغم من شدة البطش التي عرف بها الدجال وتلك الخوارق التي معه، إلا أنه في الشدائد يعرف الرجال بإيمانهم، ويعرفون بصدقهم، ويعرفون بثباتهم، ويعرفون بتمسكهم بالحق، فلا يخشون إلا الله، ولا يفرون من الموت، واسمع من خبرهم في مواجهة الدجال، فهم يعرفونه لأنه مكتوب على جبينه كافر لا يقرؤها إلا المؤمن، وإن كان لا يقرأ أو يكتب.
فعند مسلم من حديث أبي سعيد قال:(حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً، حدثنا عن الدجال فكان فيما حدثنا أنه قال: يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فيلقاه المسالح -قوم معهم سلاح من أعوان الدجال وحراسه- فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال: فيقولون له: أوما تؤمن بربنا! فيقول: ما بربنا خفاء نعرف ربنا، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم -يعني الدجال - أن تقتلوا أحداً دونه؟ قال: فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس! هذا الدجال الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فيأمر الدجال به فيشبح -يمدد على الأرض- فيقول: خذوه وشجوه، أي: اقطعوا رأسه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، قال: فيقول له الدجال: أوما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الدجال، قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرق رأسه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائماً، قال ثم يقول لي: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال، قال ثم يقول المؤمن: يا أيها الناس! إنه لا يفعل هذا بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسبه الناس إنما قذفه إلى النار وإنما ألقى به في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) أي: هذا الرجل أعظم شهادة عند رب العالمين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.