لما مات النبي صلى الله عليه وسلم واصلت المسيرة مع خليفة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ارتد المرتدون وادعى مسيلمة الكذاب النبوة، أرسل أبوبكر كتاباً إلى مسيلمة حمله حبيب بن زيد ابن أم عمارة، ولكن مسيلمة لم يرع حرمة الرسل، فقبض عليه وأوثقه، وجعل يقول له: اتشهد أني رسول الله! وهو يقول: لا أسمع، وجعل يقطعه عضواً عضواً حتى مات، وما تراجع وما ارتد عن دينه.
اسمعي بارك الله فيك: قطعوه وعذبوه وما انتكس، فما بال الرجال والنساء اليوم ينتكسون، ولم يصبهم ما أصاب القوم؟ فلما علمت المجاهدة باستشهاد ابنها -الذي تعلم في مدرسة لا إله الله أن الجهاد غاية المسلمين ومبتغاهم، وأن الشهادة أعظم غاية- صبرت أم عمارة واحتسبت؛ لأنها رضيت لها ولأهلها ولأبنائها حياة المجاهدين، ونذرت لله أن تشهد مقتل مسيلمة الكذاب، وتشارك في مقتله.
وتم لها ما أرادت؛ فقد خرج جيش المسلمين قاصداً مسيلمة، وخرج مع الجيش ابنها عبد الله وخرجت معه، وكان عمرها يومئذ قد جاوز الستين عاماً، وتركها المسلمون تخرج رغم كبر سنها لتفي بنذرها.
الله أكبر! لم يمنعها سنها من الخروج والمشاركة.
وكما قيل: إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام وحين ارتفع لواء الحق وأقبل المهاجرون والأنصار، استلت سيفها وهجمت على المنافقين والمرتدين مع مجموعة كان ابنها عبد الله معهم، ودارت المعركة بين الحق والباطل، وأخذت تقاتل لله درها حتى أصابها اثنا عشر جرحاً ولم تبال، قطع ذراعها ولم تبال حتى وصلت هي ومن معها إلى مسيلمة الكذاب، وانقضوا عليه وهي في المقدمة رضي الله عنها وأرضاها ومعها ابنها عبد الله لتقتله بسيفها ثأراً لدينها ولابنها، وعادت المجاهدة مع الجيش المنتصر بذراع واحد.